يقف مستشار دعم اتخاذ القرار والباحث السياسي في شؤون القوة الناعمة، رئيس مركز «EWG» للاستشارات والدراسات والتنمية، أسعد الفهد، على مسافة واحدة بين تاريخ الكويت وواقعها سياسياً، فعلى جانبي طريقهما هناك إشارات عدة تؤكد عمق مسيرة الديمقراطية محلياً، وأن مبادراتها منذ التأسيس لاتزال تخطف الأنظار.
ويلفت الفهد إلى أن استخدام النواب للأدوات الدستورية، وفي مقدمتها أداة الاستجواب قديماً وليس حديثاً، وأن أول استجواب بدأ تاريخياً كان 11 يونيو 1963، مشيراً إلى أنه حتى 17 يناير الماضي شهد مجلس الأمة 138 استجواباً.
ويبين أن الديوانية في الكويت أداة سياسية فاعلة، ودائماً ما تكون طرفاً في صناعة القرار السياسي.
وذكر أن الكويت سطّرت تاريخاً عريقاً في المشاركة السياسية خليجياً وعربياً، وأن البداية جاءت مع انتخاب مجلس تشريعي، موضحاً أن روح الديمقراطية محلياً لم تنشأ مع المجلس التأسيسي بل منذ مبايعة آل صباح.
وفيما يلي نص المقابلة:
• معلوم أن الكويت تشكل نموذجاً ديمقراطياً فريداً ما يجعل السؤال مشروعاً عن نقطة ارتكاز قوة التجربة الكويتية؟
- من حيث المبدأ يتعين الإشارة إلى أن تجربة الكويت في الممارسة الديمقراطية شكلت نقطة ارتكاز محورية في تعزيز موقعها عالمياً كدولة سبّاقة بتأسيس وإرساء ديمقراطيتها، معززة بمبادرات مختلفة لتطوير هذه الممارسة، فضلاً عن محطات تاريخية أثبتت خلالها أن الجميع متقاطع ومتفق على اتباع الديمقراطية كنهج حياة وليس رفاهية، وهذا مصدر قوتها الرئيسي.
وبفضل قوتها الناعمة، جذبت الكويت إعجاب الأنظمة حتى المتقدمة بممارساتها الديمقراطية، فمنذ صدور دستورها 1962، وهي تبني مصدات أكبر، وأكثر قوة في حماية ديمقراطيتها، وإلى الحدود التي نالت معها إشادات دولية باعتبارها نموذجا رائدا ومتطورا وملهما في تعزيز المشاركة السياسية مدفوعة بمشاركات سياسية متنوعة من مختلف فئات المجتمع.
• الحديث عن عمق تاريخ الديمقراطية في الكويت يحفّز للسؤال عن بدايات الممارسة الديمقراطية محلياً؟
- بخلاف المعتقد فإن مسيرة الديمقراطية محلياً لم تبدأ مع المجلس التأسيسي، وكانت البداية عندما بايع الكويتيون آل صباح، باختيار الشيخ صباح الأول كأول حاكم للكويت، وفق نظام الإجماع والشورى، والذي يقوم على مبدأ تبادل الرأي بالمحبة واحترام حرية الآخرين في التعبير عن آرائهم.
ومن هنا يمكن القول إن روح الديمقراطية لم تكن حديثة النشأة، أو وليدة للعقود القليلة الماضية، بل متأصلة منذ نشأة الإمارة، وبدأت روحها منذ 1752، فيما حافظ الجميع على دعم هذه التجربة.
• كيف بدأت قصة شعب الكويت والمجلس التشريعي الأول خليجياً؟
- انطلاقاً من وعي حكام الكويت بماهية الديمقراطية، مرّت مسيرتها بمراحل مختلفة عدة، امتدت إلى يومنا هذا، فكانت الكويت سبّاقة في إقامة مجلس للشورى في عام 1921، وذلك من خلال وثيقة ذكرها المؤرخون أبرمت بين أهالي الكويت في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمه الله.
وبعد ذلك سطرت الكويت تاريخاً عريقاً في المشاركة السياسية، ونتيجة طبيعية لذلك كان الكويتيون أول شعب خليجي ينتخب مجلساً تشريعياً 1938، ويكتب دستوراً ويختار أعضاءه لتمثيل الشعب.
ومن هنا يمكن التأكيد على أن تجربة الكويت الديمقراطية ليست إلا حلقة ضمن سلسلة متصلة شهدها التاريخ السياسي للبلاد، واتضحت رؤيته منذ بداية استقلال الكويت 1961، والذي تمخض عنه ولادة أول دستور في الجزيرة العربية، برؤية جديدة مستقلة رسمت مستقبلاً زاهراً ومميزاً للحياة النيابية.
• من وجهة نظرك السياسية كيف تراى تجربة تأسيس المجلس التشريعي وإصدار الدستور؟
- أعتقد أنها شكلت أولى المحطات التاريخية التي مرت بها البلاد في تكوين مسيرتها الديمقراطية، مروراً بالوثيقة الدستورية 1938، حتى ولادة (دستور 1962)، والذي يعد الوثيقة الأبرز في تاريخ البلاد.
إضافة إلى ذلك، تمثل هذه التجربة محور تحقيق الحلم من خلال تحول الكويت سياسياً إلى دولة بمفهومها المتطور، وكانت البداية مطلع الستينيات، حيث يمثل 19 يونيو 1961 بداية مرحلة مضيئة في تاريخ الكويت سياسياً.
ففي هذا اليوم استكملت الكويت سيادتها، وحصلت على استقلالها التام بإنهاء أحكام اتفاقية 1899، وإعلان سمو أمير البلاد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح قيام المؤسسات الدستورية والحكومية في أقرب وقت، ولم يمضِ شهران على توقيع معاهدة الاستقلال، حتى تمت الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة لمجلس تأسيسي يتولى عند تأليفه إعداد دستور للبلاد.
• هل تستذكر بعض محطات انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي؟
- بالطبع الكثير في مقدمتها تنافس 73 مرشحاً، ضمن 10 دوائر، حيث أسفرت النتائج عن فوز 20 مرشحاً، ليضم المجلس في عضويته 11 عضواً تم تعيينهم بحكم وظائفهم كوزراء، وصدر المرسوم الأميري رقم (1) بتاريخ 14 يناير 1962، بدعوة المجلس التأسيسي إلى الانعقاد، وفي صباح السبت 20 يناير 1962 عقد المجلس جلسته الأولى، وألقى الشيخ عبدالله السالم خطاب افتتاح أعماله.
وبعد ذلك تم انتخاب المرحوم عبداللطيف محمد ثنيان الغانم رئيساً للمجلس التأسيسي بالتزكية والإجماع، كما تم انتخاب المرحوم الدكتور أحمد محمد الخطيب نائباً للرئيس.
• بقراءة سريعة للمرسوم الأميري رقم (12) لسنة 1961 برأيك إلى ماذا كان يشير إجراء انتخاب للمجلس التأسيسي؟
- إلى الرغبة الأميرية الواضحة تجاه إقامة نظام حكم مدني على أسس واضحة، إلى جانب التمهيد لإصدار دستور للبلاد يستمد أحكامه من ظروفها، ويستند إلى المبادئ الديمقراطية.
• ماذا عن الجدل الذي أثير في لجنة الدستور وفي المجلس التأسيسي، حول ما نصت عليه المادة (131) الخاصة بحظر اشتغال الوزير بأي مهنة خلال توليه الحقيبة الوزارية؟
- باختصار بعض الأعضاء اعتبرها غامضة، لكنها حسمت في النهاية لصالح الحظر، وبين المواد الخلافية، ما تعلق بالنظام البرلماني أو الرئاسي، وعمل الدستور على تحقيق التوازن بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي بالأسلوب المزدوج، إضافة إلى الأخذ بنظام الفصل بين السلطات.
• بنقاط واضحة بماذا تميز الدستور الكويتي؟
- تميز بتأصيل الديمقراطية في ممارسات نظام الحكم الذي نشأ متزاوجاً بشكل راق مع الحكم الوراثي، فهناك برلمان حر منتخب وحقوقه شعبية أصيلة، يمارس صلاحياته تحت مظلة حكم وراثي ارتضاه الشعب في ذرية مبارك من آل صباح، إضافة إلى أن الدستور جاء وسطاً في نظامه السياسي بين النظامين البرلماني والرئاسي، مع ميل أكبر نحو البرلماني تعزيزاً لدور الأمة.
ونتيجة ذلك تميز دستور الكويت بكفالة الدولة لأوجه الحياة الضرورية، وفي مقدمتها التعليم والصحة، وتوفير العمل للمواطن، كما ضمن المساواة والعدالة في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات، فيما جاء الدستور معبراً عن إرادة الحاكم والمحكوم في العيش معاً، تحت مظلة الديمقراطية ودولة القانون.
• وماذا عن تجربة المجلس البلدي؟
- بدأت 1930، وهي أول تجربة انتخابية تم بموجبها انتخاب 12 عضواً، استطاعت قيادة تجربة الكويت التنموية في عالم كان قد بدأ الانطلاق نحو البناء والتعمير.
وجرت انتخابات المجلس البلدي عام 1932 بعد أن صدر قانون البلدية في 1931، ثم تطورت تجربة المجلس البلدي الديمقراطية وتعددت اختصاصاته حتى أصبح مجلساً مصغراً للوزراء والشورى معاً، بما يتناسب مع أداء مهامه.
• هل كان هناك حراك سياسي فعّال من النخبة في تطوير الممارسة الديمقراطية؟
- بالطبع، ومن صوره ذلك الاجتماع التاريخي لوجهاء الكويت وتجارها الذين طلبوا خلاله من أمير البلاد إدخال مزيد من الديمقراطية على نظام الحكم، ليتم الإعلان 1938 عن تأليف أول مجلس تشريعي من 14 عضواً، تمت الدعوة لانتخابهم بواسطة 320 ناخباً يمثلون أهم القوى التجارية والاجتماعية في المجتمع الكويتي وجهت دعوة لهم من الأمير، وتنافس على العضوية 20 مرشحاً.
لذلك تعتبر هذه الخطوة مرحلة تاريخية في حياة الكويت السياسية، حيث ترتب عليها قيام المجلس التشريعي المشكل بفضلها بصياغة مشروع أول دستور لدولة الكويت، غير أنه لم يكتب له الاستمرار سوى 5 أشهر بسبب تأثيره على المصالح البريطانية، خصوصاً فيما يتعلق بالنفط، فتنادى أفراد الشعب في ديسمبر 1938 وأجمعوا على توحيد الكلمة، وتصفية النفوس وتوسيع قاعدة ممثلي الشعب، ليصبحوا 20 عضواً بدلاً من 14.
• لوحظ في الفترة الأخيرة كثرة استخدام النواب لأداة الاستجواب بحكم مشاهداتك هل يشكل الاستجواب ظاهرة نيابية في الكويت؟
- بالعكس، فهذه الممارسة قديمة نيابياً، ومنذ نشأته ناقش مجلس الأمة استجوابات عدة بموضوعات متنوعة، أولها جاء في 11 يونيو 1963، ووصل حدة بعضها إلى حل البرلمان، وانتهت في أغلب الأحيان بسحب المستجوب لطلب طرح الثقة بالوزير أو فشله في الحصول على أغلبية تتيح له إجباره على الاستقالة.
وما يعزز الامتداد التاريخي لاستخدام الاستجواب أن مجلس الأمة ناقش 138 استجواباً منذ تأسيسه حتى 17 يناير 2023، والتي شملت شتى المجالات وامتدت لجميع الوزارات تقريباً، وأسفر بعضها عن دفع حكومات إلى الاستقالة بأكملها، بينما تسببت بعض الاستجوابات في تعليق الدستور وحل مجلس الأمة بذاته، ومثال ذلك ما حدث في 3 يوليو 1986.
• يلحظ أنه رغم عدم وجود أحزاب سياسية رسمية في الكويت تمتاز الحركة السياسية بالحراك الدائم، فما السر برأيك؟
- أحد المقومات منذ نشأة الحياة السياسية في الكويت، بمراحل تطورها ونضوجها ومحطاتها المختلفة، أنها لم تخل من زخم الحضور للقوى السياسية والاجتماعية غير الرسمية، والتي تجمع بين أصحاب الأفكار المشتركة.
ومع مرور الوقت استطاعت هذه القوى فرض حركتها ونشاطها، خصوصاً بعد أن اكتسبت الممارسات الديمقراطية عمقاً أدى بها إلى تشكيل تيارات وتكتلات شاركت جميعها في إثراء الحياة السياسية في الكويت.
• عند الحديث عن الحياة الديمقراطية والسياسية في الكويت يصعب تفادي الإشارة إلى دور الديوانية سياسياً؟
- من المؤكد أن الديوانية في الكويت تعد أبرز الأدوات السياسية الفاعلة في تكوين المعتقد السياسي، فمن خلالها تمارس الديمقراطية بأشكالها المختلفة، اعتباراً من تشكيلة الحياة البرلمانية إلى صنع القرار السياسي، فبمقدار ما يملك المرشح من تأييد وتأثير من أصحاب الديوانيات في دائرته الانتخابية يحدد مستقبله السياسي.
وفي الوقت نفسه فإن الديوانية تشكل نوعاً من أنواع المحاسبة والمراقبة لنائب الدائرة، بحيث يلتقي روادها نوابهم، ما يعكس بصورة أو بأخرى دورهم التشريعي غير المباشر.
وعملياً مكّنت الديوانية الكويتية بأسلوبها البسيط في التنظيم وبنمطها التقليدي من الدخول في عالم السياسة، وكانت طرفاً في صناعة القرار السياسي، وعززت كذلك من دور قوى الضغط السياسي الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في الدولة، وهي بلا شك تعتبر نموذجاً فريداً.
• ماذا عن أبرز التحولات التي واجهتها المجالس التشريعية في الكويت؟
- كثيرة، لكن اللافت أن المتحكم الرئيسي فيها كان النظام الانتخابي المحدِّد لعدد الدوائر الانتخابية والأصوات التي تُمنح لكل ناخب ومازالت تشكل خللاً.
• وسط الحديث عن مآلات الأوضاع السياسية الأخيرة وتزايد التصدع في علاقة الحكومة بالنواب، يكون السؤال مشروعاً عما يميز سياسة الكويت الداخلية؟
- دعنا نؤكد أن الشعب الكويتي حاكماً ومحكوماً، حكومةً ومجلساً، يتنادى وقت المحن والأزمات ويكونون صفاً واحداً وسنداً للحاكم مهما كان هناك من اختلاف أو خلاف من أجل وحدة الصف وتماسك الجبهة الداخلية والخارجية، وهناك العديد من الأحداث والشواهد على مر التاريخ تؤكد ما أقول.
ويميز كذلك حرص النظام السياسي على وجود دور أساسي في المشاركة السياسية مع الأسرة الحاكمة، عن طريق مجلس الأمة، إلى جانب عدد من الصلاحيات يمارسها النواب على رأسها الموافقة على اختيار ولي العهد.
ويتوازى كذلك مع هذا دور الحركات النقابية والطلابية، ومشاركة المرأة فى جميع الأنشطة والفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية، ولذلك يمكن القول إن كل ما سبق يدعم الأداء الديمقراطي وممارسة الحريات أمام أنظار العالم أجمع.
• أخيراً برأيك ما أبرز إنجازات الديمقراطية في الكويت؟
- أولها وأهم مكتسباتها الدستور الذي أنعش مسيرة الديمقراطية في الكويت، باعتباره الحصن المنيع في مواجهة أزمات داخلية وخارجية عدة، إذ سار أمراء الكويت على نهج حماية سلطة الدستور، وأكدوا في كل مناسبة وخطاب حرصهم على التمسك بما جاء فيه والاحتكام إليه، باعتباره صاحب الكلمة المسموعة في تقرير المصير.
• هل من كلمة أخيرة؟
- شكراً لجميع المؤرخين والموثقين لمراحل التطور الديمقراطي بالكويت، الذين كنا ومازلنا ننهل من علمهم ومراجعهم... أطال الله في عمرهم، ورحم المتوفين منهم.