اليوم يستعين المحققون في اكتشاف الجرائم بمبتكرات مُتعددة ومعقدة، كتقارير الطب الشرعي، وصور البصمات، وتحليل الأصوات، ومعامل تحليل تضع كل ما يُعثر عليه في مكان الجريمة تحت أقوى المجاهر من بقايا لفافات التبغ إلى غبار الأحذية على البُسط والسجاد، ونوع التربة على إطارات السيارات. ويلعب الحاسوب الإلكتروني دوراً كبيراً في الوصول إلى تحديد ارتكاب الجريمة، مما يُؤدي إلى اكتشافها، ناهيك عن تصوير مكان الجريمة بالأشعة التي تُظهر تجسيداً للأجسام حتى بعد اختفائها من مكان الجريمة.

***

Ad

أما في القرون السابقة - كالقرن السادس عشر مثلاً - فقد كانوا يلجأون إلى من يمارسون السحر، أو يقرأون الطالع، لاكتشاف الجرائم، ولنقف اليوم على جريمة للقتل وقعت في ألمانيا عام 1656، وتقدم من قال للشرطة إنه قادرٌ على معرفة مرتكب تلك الجريمة فقال له المحقق:

- وكيف؟

- بهذه العصا.

- بهذه العصا؟

نعم... انتزعتها الآن من تلك الشجرة الكبيرة في حديقة المجني عليه.

- وهل لدى هذه العصا طاقة؟

- نعم... إنها ستتحرك باتجاه مكان المجرم بفعل الطاقة الكامنة في جسدي.

ولم يجد رجال الشرطة بُداً غير أن يصدقوا حامل العصا، ويتبعوه...

***

وانطلقوا خارج المدينة في خطواتٍ سريعة، والناس يتبعون الرجل، والعصا تهتز في يدهِ... ولما سأله المحقق:

- إلى أين؟

- لا أدري، إلى حيث تقودني العصا...

***

مرت عدة أيام حتى بلغوا الحدود البافارية، وبعد أن طال الانتظار صار حامل العصا يعدو، وهي تهتز في يدهِ، وكلما اقترب من أسوار سجن أوجسبرغ - الذي أُعطيت الأوامر أن تُفتح لهم أبوابه، وكان حامل العصا يتبعها حيث تتحرك، أخذت العصا تتحرك بسرعة غريبة لتقود حاملها إلى زنزانة، فلم يعد حاملها قادراً على السيطرة عليها من شدة الاهتزاز، وقد اكتسى وجهه بالعرق الغزير، وأوشك أن يفقد الوعي، وهو يقول للمحقق:

- القاتل في هذه الزنزانة.

فقال مدير السجن:

- في هذه الزنزانة رجلٌ أحدب وشرير، وقد قام باغتصاب سيدة من هوزن.

***

وبعد التحقيق:

اعترف الأحدب الشرير بكل شيء، وأنه هو الذي ارتكب جريمة القتل في البيت الذي انتُزعت من إحدى شجراتهِ تلك العصا التي دلت عليه.

***

انتشرت قصة تلك العصا في ألمانيا كلها، وحيكت حولها الحكايات والقصص، والبعض قال:

إن القتيل كان يخص تلك الشجرة التي اقتطعت منها العصا بعناية خاصة.