رغم الأمطار الغزيرة التي هطلت على العراق هذا العام، فإن التربة العطشى منذ فترة طويلة ابتلعت المياه وتركت السدود والأنهار العراقية تواجه موسم جفاف وشح أخذ يغير خرائط المجتمعات الريفية، وعادات المزارعين، وقوانين الدولة، بل إن الفصائل المسلحة التي تكسر كل القوانين بدأت «تتفهم» أكثر الإجراءات قسوة بحق المساحات الزراعية وحصص المياه وبحيرات تربية الأسماك وغيرها.

وقال مسؤولون من العراق ودول الجوار خلال مؤتمر الشهر الماضي، إن على بغداد وضع حد لأساليب الري القديمة التي «تهدر» كميات المياه المتناقصة عاماً بعد عام، في حين ذكر ممثلون لتركيا أنه لم يعد لديهم قدرة على زيادة إطلاقات دجلة والفرات، بل يكمن الحل في تطوير أساليب الزراعة في العراق أسوة بتركيا، خصوصاً محصول أرز «العنبر» الشهير الذي يجب أن يبقى غاطساً في الماء طوال شهور الصيف، وتم تقليص زراعته بنحو 90 في المئة العام الماضي، حيث يكاد يختفي من الأسواق حالياً رغم الطلب الكبير عليه محلياً وفي بلدان الخليج.

Ad

وجاءت الأمطار لتنقذ محصول الحنطة هذا الشتاء، ويحقق الاكتفاء الذاتي، لكن زراعة الأرز تصبح تدريجياً شيئاً من الماضي، كما أن مهنة الصيد تتعرض لخسائر كبيرة مع انحسار بأكثر من 70 في المئة من المناسيب أحياناً كلما اتجهت في دجلة والفرات نحو المصب الجنوبي.

وقطعت إيران «كل الأنهار» التي ترفد دجلة بالماء منذ عامين، وبقيت ترفض التفاوض بشأن ذلك، قائلة إنها تعاني جفافاَ هائلاَ في المناطق الحدودية، وتسبب ذلك باختفاء بحيرة حمرين الشهيرة في ديالى وتهجير عشرات القرى الفلاحية نحو المدينة بعد استحالة الزراعة. وللمرة الأولى تنجح الحكومة في «ردم» مئات البحيرات الصناعية التي تستخدم في تربية الأسماك، بعد أن كان نافذون يقومون بحمايتها رغم استهلاكها كميات كبيرة من الماء، لكن انخفاض مناسيب الأنهار بنحو شديد أجبر الكثير من الأطراف على الخضوع لذلك، مما رفع أسعار السمك إلى الضعف، وزاد الإقبال على الأسماك البحرية عند الشاطئ الضيق في البصرة. وفضلاً عن البصرة التي تكافح للمحافظة على عدد قليل من نخيلها الشهير، فإن حنوب العراق يشهد هجرة متزايدة من مناطق الأهوار (المستنقعات الشهيرة)، حيث لا يمكن توفير ماء للمواشي خصوصاً الجاموس، ولم تعد تتوفر فرصة لصيد الأصناف الشهيرة من السمك والطيور المهاجرة، بسبب آثار الجفاف. وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أخيراً إن على الفلاحين الاستعداد لتغيير عميق في سياسات الدعم، وأن الحكومة ستتوقف عن شراء محاصيلهم أو تزويدهم بالأسمدة إذا لم يتحولوا إلى طرق الري الحديثة، التي يعجز كثير من الفلاحين عن شراء معداتها الباهظة الثمن، والتي تتطلب تدريباً طويلاً على استخدامها أحياناً، مثل مرشاة الماء وأنابيب التقطير وغيرها.

وفي كردستان المعروفة بجبالها الخصبة، تتراجع مناسيب المياه الجوفية إلى حد كبير، وقال مسؤولون إن الحفر بدأ يصل إلى 800 م للوصول إلى الماء، بينما كان بمعدل 300م حتى قبل بضعة أعوام، وجرى تعديل التعليمات التي تخص حفر الآبار، وتقييدها بوجود حاجة ملحة وشروط صارمة، وتنشر الصحف كل يوم صوراً عن «آبار غير مرخصة» يجري هدمها.

ويطمح العراق إلى تعظيم موارده غير النفطية بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية الخانقة بسبب تذبذب سوق البترول والزيادة الانفجارية في عدد السكان (23 مليوناً عام 2003، و42 مليوناً بتقديرات العام الحالي)، لكن الجفاف يغير العديد من الخطط التنموية ويجعلها أكثر تعقيداً.