«الفقر المدقع يأتي من الفقر المدقع» لغز المفتش بريزغ الشخصية الفكاهية للروائي الألماني فريتز رويتر والذي أقرأه من زاويتي أن الفقر في استخدام الموارد يحقق بؤس الدولة.

ذكرتني تلك الحكمة ببداية أزمة كورونا حين كانت أجهزة الدولة تنادي بوجود الأمن الغذائي والوفرة لكن سرعان ما ظهرت أزمة البصل التي كشفت معها كارثة جديدة، وهي عدم وجود برنامج اقتصادي للاكتفاء الذاتي.

Ad

توزيع الأراضي الزراعية لم يكن على أساس الحاجة الاقتصادية بل هبات وهدايا دون خطة لتحويل ندرة الإنتاج الزراعي إلى وفرة يمكن بعدها تحول الاستيراد الى تصدير، والمزارع الكويتي الى مشارك بتعزيز الأمن الغذائي في الكويت وخارجها، كما أن الثروة الحيوانية تعاني التهميش، وتتعرض صحارى الكويت للرعي الجائر، وبعد عدد من التطعيمات يؤهل المالك الحصول على جاخور رسمي يتحول لمتنزه ترفيهي مخصص للإيجار.

الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي خصص له ملياران، وزع رأس المال على أساس تمكين المبادر وتفعيل دور القطاع الخاص لكن دون اعتبارات الاكتفاء الذاتي، حيث كثير من تلك المشاريع غير مجدية اقتصاديا وعجزت عن السداد وتوقف الحاضن عن التمويل وشُلت قدرته بدفع دوران الدائرة المتوقعة من أحضانه.

قطاع التعاونيات الذي يستمد دوره من الروح التعاونية للجماعة ومواجهة أعباء الحياة، معزول عن عمليات الإنتاج التنموي، فمن غير المعقول أن تخصص نسبة 20% من الربح الصافي- موجود باللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات التعاونية- للترفيه والثقافة ويترك الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي البسيط دون نظرة تعاونية، كما أن قانون التعاونيات يسمح بتعدد أغراض الجمعية التعاونية التي تهدف للارتقاء بالوضع الإنتاجي والاقتصادي والاجتماعي.

مفهوم الاكتفاء الذاتي لا يعني الاقتصاد المغلق والعزلة عن العالم، بل زيادة الاعتماد على الذات وعلى تطوير المهارات والإمكانات المتاحة، حيث نجحت السعودية وهي تعيش مخاض الانفتاح على العالم بالوصول للاكتفاء في بعض المنتجات النباتية مثل التمور والملفوف والفاصولياء وبعض المنتجات الحيوانية مثل الألبان والبيض.

فكرة إنشاء مؤسسة عامة تختص بإدارة الاكتفاء الذاتي بدلا من لجنة عليا للأمن الغذائي والمائي مجدية في ظل الاقتصاد الريعي، وتحت مظلة تلك الفكرة يكون القطاع الزراعي والحيواني- إلغاء الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة الحيوانية- وقطاع الصناعات الأساسية وقطاع التعاونيات أجنحة تلك المؤسسة.

يجب تعاون تلك القطاعات معا وفق برنامج اقتصادي واحد وهو تحويل الندرة الإنتاجية إلى الحد الأقصى من الاكتفاء الذاتي، وأفضل معادلة لشرح الاكتفاء الذاتي هي:

(الإنتاج الزراعي والحيواني الأساسي + الصناعات الأساسية + روح التعاون المجتمعي = تحقيق الاكتفاء الذاتي وصد الأزمات المفاجئة).