رفضت المحكمة الدستورية، أمس، الطعن المقام من عدد من النواب السابقين بطلب بطلان الحكم الذي أصدرته في 19 مارس الماضي ببطلان مجلس الأمة 2022 وإعادة مجلس 2020.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها الذي أصدرته أمس برئاسة المستشار فؤاد الزويد وعضوية المستشارين عادل البحوه وصالح المريشد وعبدالرحمن الدارمي وابراهيم السيف، إن الأحكام الصادرة من هذه المحكمة بما فيها الأحكام في الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم التي تنظرها كمحكمة موضوع - هي أحكام باتة تثبت لها الحجية وهي واجبة الاحترام ملزمة للكافة بما فيهم سلطات الدولة المختلفة، ولا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، والأصل أن الحكم القضائي متى صدر صحيحاً يظل منتجأ لآثاره، فيمتنع النعي عليه إلا عن طريق الطعن فيه بطرق الطعن التي حددها القانون على سبيل الحصر، فإذا كان الطعن غير جائز أو كان قد استغلق طريقه فلا سبيل إلى إهدار الحكم لمساس ذلك بحجيته، وأنه وإن أجيز استثناء الطعن بدعوى بطلان أصلية في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية، إلا أن طريق هذا الطعن الاستثنائي لا يكون إلا في حالات البطلان المنصوص عليها في المادة (102) من قانون المرافعات، أما في غير هذه الحالات فإن هذا الاستثناء يجب أن يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم من شأنه أن يجرد الحكم من مقوماته وأركانه الأساسية، ويفقده كيانه وصفته كحكم قضائي.

Ad

وقالت المحكمة في حكمها انه غني عن البيان إن هذه المحكمة بما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته وما وسد لها من اختصاص استناداً إلى الدستور، حارسةً على أحكامه رقيبة على الالتزام بقواعده، لا سبيل معه إلى نسبة الخطأ الجسيم الذي يهوي بقضائها إلى البطلان، إلا أن يكون الحكم المدعى ببطلانه قد انتفت عنه صفته القضائية، كما أنه جدير بالذكر في هذا المقام أنه يتعين في جميع الأحوال أن يتوفر في هذا الطعن الاستثنائي ما ينبغي أن تنشط له دعوى البطلان الأصلية وتستقيم في ظله مبرراتها، وأن يتسم الطعن بالجدية والبعد عن العبث وألا يتخذ طريق هذا الطعن لدداً وكيداً في غير الإطار المحدد له قانوناً، أو ذريعة لإعادة مناقشة ما قضى به الحكم الذي بات التعقيب عليه ممتنعاً، أو مدخلاً إلى التطاول على حجية هذا الحكم وإهدارها.

وقالت المحكمة إن حاصل النعي بأسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه قد تضمن قضاء في مسألة تخرج عن اختصاصات المحكمة الدستورية، وخرجت فيه المحكمة عن مهمتها القضائية إلى ساحة الرأي السياسي، وفصلت في عمل من أعمال السيادة الذي يخرج عن الاختصاص الولائي للمحاكم، وانتهكت مبدأ الفصل بين السلطات، فباشرت دور الرقابة على المواءمة السياسية لمرسوم حل مجلس الأمة، وقضت برأيها وعلمها الشخصي، ونظرت في مدى أحقية أمير البلاد في إصدار المراسيم إعمالاً للمادة 107 من الدستور، وأنها تخيّرت أسباباً للحل، وأغفلت أسباباً أخرى لم تعقب عليها، وأن الخلاف لم يكن هو سبب صدور مرسوم الحل، بدليل تشكيل الحكومة الجديدة من ذات وزراء الحكومة المستقيلة، فضلاً عن بطلان صحيفة الطعن التي صدر بشأنها الحكم المطعون فيه، للتوقيع عليها من محام محظور عليه مخاصمة الحكومة، وهو ما يصم حكمها بالانعدام.

الفصل بالطعون

وبينت المحكمة أن هذا النعي مردود من المحكمة بما أن المشرع قد اختصها دون غيرها - وفقا للمادة الأولى من قانون إنشائها رقم 14 لسنة 1973 - بالفصل في الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الأمة، أو بصحة عضويتهم، وأن اختصاصها بالفصل في هذه الطعون هو اختصاص شامل، وبما يشمل بسط رقابتها على عملية الانتخاب برمتها للتأكد من صحتها، والتحقق من أن الإجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية للتمهيد لهذه الانتخابات لم تخالف القيود والضوابط المنصوص عليها في الدستور، وبالتالي، فإن الطعن على إجراءات هذه الانتخابات يستغرقه بحكم اللزوم اختصاص هذه المحكمة بنظره لتأثير الفصل فيه بحكم الضرورة على عملية الانتخاب، وبما مؤداه أن الإجراءات الممهدة لعملية الانتخاب الصادر بشأنها قرارات من السلطة التنفيذية لا تستعصي على الفحص والتدقيق من قبل هذه المحكمة لدى مباشرة اختصاصها بنظر الطعون الانتخابية للاستيثاق من اتفاق أو تعارض هذه الإجراءات مع الدستور، وإلا جاز التذرّع بوجود مناطق في الدستور لا يجوز لهذه المحكمة أن تمد بصرها إليها، ولا ريب في أن القيود الإجرائية التي فرضها الدستور على السلطة التنفيذية لا يجوز إسقاطها أو تجاوزها أو التحلل منها، تذرعاً بأنها أعمال سياسية، إذ أن هذا القول لا يستقيم في مجال إعمال سلطتها المقيدة وفقا للدستور، وبالتالي فإن لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على المرسوم الصادر بحل مجلس الأمة، للتأكد من مدى التزامه بالقيود والضوابط الدستورية السالفة البيان، إعلاء لمبدأ الشرعية الدستورية.

مقتضيات الحل

وقالت المحكمة إنه تطبيقا للمبادئ السالفة البيان، فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت في الطعنين رقم 1 و۳۰ لسنة 2012 (طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة عام 2012 - بجلسة 20/6/2012) ببطلان المرسوم رقم 443 لسنة 2011 بحل مجلس الأمة بتاريخ 1/12/2011 لصدوره بناء على طلب وزارة قد زايلتها هذه الصفة بقبول الأمير استقالتها بكاملها، إذ استعار رئيس مجلس الوزراء الجديد أعضاءها ونظّمهم في اجتماع لمجلس الوزراء أخذ فيه موافقتهم على هذا الحل، وفي الطعن رقم 15 لسنة 2012 طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة - ديسمبر 2012 بجلسة 16/6/2013 أعملت رقابتها على المرسوم رقم 241 لسنة 2012 بحلّ مجلس الأمة بتاريخ 7/10/2012، ورفضت النعي عليه بالبطلان، مستندة إلى أن صدوره كان بناء على ضرورة تقتضيه، نظراً لتعذّر عقد جلسات مجلس الأمة لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقدها.

وفي الطعن رقم 21 لسنة 2016 طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة عام 2016 بجلسة 3/5/2017 رفضت أيضاً النعي ببطلان المرسوم رقم 276 لسنة 2016 بحل مجلس الأمة بتاريخ 16/10/2016، بادعاء خلوه من التسبيب المعتبر وجوباً، وانتهت إلى أن أسباب الحل الواردة بهذا المرسوم قوامها الظروف الإقليمية، وما تقتضيه التحديات الأمنية، وضرورة مواجهتها والرغبة في الرجوع إلى الأمة للمساهمة في مواجهة تلك التحديات، وأن هذه الأسباب هي أسباب واضحة جلية تقوى على حمل مرسوم الحل، وأكدت المحكمة في هذه الطعون.

اختصاصها بمباشرة رقابتها على المرسوم الصادر بالحل للتأكد من مدى التزامه بالقيود والضوابط الدستورية، دون التدخل في تقدير بواعث ودواعي ذلك الحل.

وسارت المحكمة في حكمها المطعون فيه على ذات النهج الذي استقرت عليه وأعملت رقابتها على مرسوم الحل رقم (136) لسنة 2022 الصادر بتاريخ 2/8/2022 وخلصت إلى أن صدوره جاء بسبب عدم التوافق وعدم التعاون والاختلافات بين الحكومة السابقة ومجلس الأمة على الرغم من استقالة تلك الحكومة وتشكيل وزارة جديدة برئيس جديد، فيكون الحل بذلك قد استند إلى سبب انقضى أمره، فإنها لا تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصها أو تعرضت لعمل من أعمال السيادة، والتي يختص القضاء وحده بتحديدها، إذ اقتصرت رقابتها على وجود سبب الحل ولم تمتد إلى السلطة التقديرية في إصداره وبواعثه ودواعيه.

وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما أثاره الطاعنون من أن المحكمة قد خلصت في قرار صدر منها في غرفة المشورة في الطعن المباشر رقم (11) لسنة 2016 بجلسة 22/11/2016، إلى أن المرسوم الصادر بحل مجلس الأمة لا يندرج في عداد التشريعات التي تصلح أن تكون محلاً للمنازعة في مدى دستوريتها بطريق الطعن الأصلي المباشر، إذ خلط الطاعنون بذلك بين الدفع بعدم الدستورية، الذي يتعين أن ينصب على قاعدة تنظيمية عامة تتسم بالصفة التشريعية واجبة الاتباع في صدد ما صدرت بشأنه، وبين بطلان إجراء من الإجراءات الممهدة لعملية الانتخاب، والحاصل أن كل ما أثير في أسباب النعي على عملية الانتخاب في الطعن الذي صدر بشأنه الحكم المطعون فيه أنها قد شابها عوار دستوري في الإجراءات الممهدة لها لبطلان مرسوم حل مجلس الأمة، وانتهت المحكمة في هذا الحكم إلى أن إجراء الحل قد جاء مشوباً بالبطلان مستوجباً عدم الاعتداد به وترتيب آثاره.

كما أنه من غير المقبول ما ادعاه الطاعنون من أن المحكمة قد نظرت في مدى أحقية أمير البلاد في إصدار المراسيم، متجاهلين أن مقتضى مبدأ ممارسة الأمير لسلطاته الدستورية بواسطة وزرائه أن يكون المرسوم هو الأداة الدستورية لممارسة السلطات الأميرية المقررة بالدستور، وهو ما يستلزم أن يُرفع مرسوم الحل من مجلس الوزراء وأن يُوقع عليه مع الأمير رئيس مجلس الوزراء حتى يتحمل مسؤوليته السياسية، وأن يُنسب مرسوم الحل إلى السلطة التنفيذية.

ولفتت المحكمة إلى أن ما أورده الطاعنون في أسباب طعنهم متعلقاً بتعييب ما خلصت إليه المحكمة من أسباب لصدور مرسوم الحل فهو غير مقبول، ذلك أن الحكم المطعون فيه كان واضحاً في أن الحل قد جاء وفقاً للمادة (107) من الدستور، مستنداً إلى «عدم التوافق» و»عدم التعاون» و«الاختلافات» بين الحكومة السابقة ومجلس الأمة، فإن الادعاء بأن هذا الخلاف لم يكن سبباً لصدور المرسوم وأن هناك أسباباً أخرى له، لا يعدو أن يكون تعييباً للحكم فيما انتهى إليه وإعادة مناقشة ما قضى به بعد أن أصبح التعقيب عليه ممتنعاً، وهو ما لا يجوز الادعاء به أو الخوض فيه أو التعرض له.

أما ما أبداه الطاعنون بخصوص بطلان صحيفة الطعن للتوقيع عليها من محام محظور عليه مخاصمة الحكومة، فهو دفع لم تتمسك به الجهة التي تقرر لمصلحتها ولم يثر من أحدٍ في تلك الطعون، وهو - على فرض صحته وتعلقه بالنظام العام - يتعلق بواقع لم يسبق طرحه على هذه المحكمة، فلا يجوز إثارته بعد أن اكتسب الحكم المطعون فيه حجيته وصار طريق الطعن فيه مستغلقاً، باعتبار أن حجية الأحكام تعلو على اعتبارات النظام العام.

وحيث إنه يبين مما تقدم أن الأسباب سالفة البيان لا تفضي إلى تجرد الحكم المطعون فيه من مقوماته أو أركانه الأساسية، ولا تفقده كيانه وصفته كحكم قضائي وبالتالي لا تصلح أساساً لدعوى البطلان الأصلية، وينحل ما أورده الطاعنون فيها إلى طعن في الحكم غير جائز ابتغاء تجديد الخوض فيما سبق للمحكمة أن فصلت فيه، وإعادة مناقشة ما قضت به بهدف تقويض قضائها وإنكار حجيته والمجادلة فيها، وهو أمر غير جائز لما هو مقرر من أن أحكام هذه المحكمة لها حجية مطلقة تحول دون مراجعتها أو المجادلة فيها أو السعي لنقضها، الأمر الذي يغدو معه الطعن الماثل قد أقيم على غير أساس بما يتعين معه القضاء برفضه، فلهذه الأسباب حكت المحكمة برفضه.