هذه الأيام يتداول مصطلح الوعي الانتخابي بكثرة، حافظ على وعيك الانتخابي و«دير بالك» يؤثرون على وعيك، والوعي الانتخابي أمانة لا تفرط بها! ترى هذا في دعايات المرشحين وبرنامجهم وفي بيانات الحركات السياسية، وفي الهاشتاقات والتغاريد والسنابات والواتساب، وحتى في تجمعات الدواوين وقعدات شاي الضحى، ولو رفعت صخرة هذه الأيام كسرت «جام» سيارتك كالعادة في زحمة الصباح والمساء ثم رقدت بجانبك على المقعد المجاور لوجدت تحتها مصطلح الوعي الانتخابي لا محالة!

ولذلك قررت أن أعرف معنى الوعي الانتخابي لأفهم على الأقل ما أنا مقدم عليه في الانتخابات القادمة، فأنا بالأخير ناخب معتق خضت الانتخابات مراراً وتكراراً، ولا بدّ لي من الحفاظ والحرص على سمعتي التصويتية بالإضافة طبعاً إلى أن كل ممنوع من الصرف في «برستيجي» الانتخابي المصون مرغوب كما يقال، أو سمّها بلاغة شف براحتك.

Ad

بداية حاولت البحث عن المصطلح في موقع ويكيبيديا ولكن صديقي بوحمد خريج العلوم السياسية الذي يعمل في وزارة الأشغال نصحني بعدم تضييع وقتي، فويكيبيديا حسب كلامه موقع غير موثوق أبداً، وخذ وخل، وأيده بذلك صديقي الآخر بوسالم خريج الفيزياء النووية الذي يعمل في وزارة الأوقاف، لذلك صرفت النظر عن الخوض في محيطات الإنترنت، وقررت أن أطبق استراتيجية ما تراه لا ما تسمعه يا مصطلح الوعي الانتخابي، فأبشر بمشاوير بحث أولها عندك وآخرها عند ديوانية الربع.

ومع أول مشوار بحث وجدت نفسي في سوق الجمعة لعل وعسى أجد وعياً انتخابياً على البسيطات يغنيني عن البحث عنه في أسواق الجديد، حيث التكلفة عالية والأسعار نار وشرار هناك، وترفع مع كل إشاعة زيادة للرواتب أو حتى حادث بين سيارتين على جسر بروكلين في نيويورك، وراتب رمضان رحمه لله وأحسن إليه قد غاص حتى شوشته في الرمال المتحركة لمصاريف العيد وعواصف شوال وفقد أثره، احم لو سمحت يا حجي، كمْ سعر الوعي الانتخابي المستعمل عندكم؟ رد البائع بكذا وكان السعر قليلا جداً فسألته عن سبب رخصه فقال مبتسماً: الوعي الانتخابي يا أخ تكلفته قليلة لا تتجاوز بضعة من الوعود العرقوبية التي لا تساوي حروفها، وشعارات عنترية لا تساوي حبرها، وبرامج خيالية مع شوية كفو وتكفون ومحشوم ويستاهل ولدنا، فخذ منه ما تريد وسأعطيك أيضاً خصماً إذا أردت، فقلت له، هل هناك ضمان أو كفالة؟ قال لا ولا ثانية أنا أبيعك سمكاً في بحر، تماماً كما يحدث لك في كل انتخابات، فخذ ما تريد على مسؤوليتك أو بلط البحر كما تعودت دوماً، شكرته على صراحته وخرجت خالي الوفاض.

وقررت بعدها أن أجرب الخطة (B) في رحلة بحثي عن هذا المصطلح العنيد، والبحث عبر مواقع الطلبات العالمية، ومع البحث وجدت عروضاً شتى على منتجات الوعي الانتخابي، كمثال اشتر وعيين انتخابيين من معركة جمهوريات الموز وخذ الثالث مجاناً، ومنتج ثان يقدم حبوباً مهدئة بنكهة المشمس لمعالجة الآثار الجانبية للوعي الانتخابي، وكذلك وجدت كتاباً في الموقع نفسه تحت عنوان «هل كنت مغفلا... لا تحزن بعشر خطوات ستتجاوز هذه المرحلة وتولد من جديد»، ولا أدري ما علاقة هذا الكتاب بالوعي الانتخابي لكنه موجود بالموقع وبسعر غالٍ أيضاً!

وأخيراً وقعت على منتج وعي انتخابي بسعر معقول ومع عرض مغر جداً، وهذا العرض يقول «اشتر وعياً انتخابياً مضموناً واستلم معه مجاناً كهدية جهازاً لكشف الكذب بسعر يشمل الشحن والضريبة»، وبدون تردد اشتريت المنتج فوراً مع ملحقاته وانتظرت أياماً قليلة حتى وصل بالسلامة إلى باب بيتي، وبعد فتح المنتج مع الملحقات وقراءة التعليمات قررت تجربته على نفسي قبل تجربته على أي أحد، فوضعت البطاريات وأوصلته بجهاز كشف الكذب وضغطت زر التشغيل، وبعد ثوان ظهر سؤال على الشاشة الحمراء لمنتج الوعي الانتخابي، وهذا السؤال يقول: أنت كمواطن لماذا تذهب للانتخابات وتدلي بصوتك؟

فقلت بدون ترد: لكي أرسخ ديموقراطيتي وأحمي دستوري وأخدم مصلحة بلادي، وأجعل وطني أولوية قبل كل شيء، وألا أجعل مصالحي الشخصية أو مصلحة قبيلتي أو عائلتي أو من يعز عليّ قبل مصالح الوطن، ولا يهمني قرب المرشح أو بعده عني، أو إذا كان من فريجنا أو منطقتنا أو شجرة عائلتنا أو غير ذلك من توافه الأمور، متسامياً على محاباة طائفتي أو عرقي أو أي شيء آخر، أنا مواطن مخلص يهمني فقط فكر المرشح وكفاءته وإخلاصه للوطن ومستقبل أجياله بعيداً عن كل صراع أو استقطاب سياسي.

تلقى المنتج الإجابة بصمت لدقائق، ثم اهتز ودار حول نفسه، وفي لحظات انفجر وتمزق شذر مذر، فاكتشفت أن الموقع البائس خدعني وباعني بضائع «ستوك» رديئة ومقلدة، فقررت مراسلتهم لاستعادة أموالي ثم مواصلة البحث عن منتج وعي انتخابي مضمون في مواقع أخرى لعل وعسى أن يسعفني الوقت قبل يوم الانتخابات القادم، فما ضاع وعي انتخابي وراءه مطالب.