نادراً ما أحتاج الذهاب لرحلة الدوائر الحكومية، وذلك أنني أفضل أن أكون في مأمن من أن أضطر لخوض دوامة المعاملات التجارية، لكنني اضطررتُ كارهة أن أتجه لإحدى الوزارات «العتيقة» جداً! وانتابني مغص حينها ليس لصعوبة الأمر، لكنني على دراية مسبقة أن الوضع أشبه بالمخاض الذي لا نهاية له، المعاملات الحكومية هنا أشبه بالدوامة العقيمة.

تتلخص رحلة العناء بالآتي:

Ad

بعد جهدٍ لإيجاد موقف تركن فيه سيارتك، والتي عادةً ما تكون إما في ساحة ترابية تدفعك للمشي تحت أشعة الشمس الحارقة، أو مواقف مهملة يتجاهل الناس عادةً خطوطها الأرضية ولافتاتها، فالكل مرخص له أن يصطف أينما شاء.

وبعد أن تتأكد أنك تحمل معك كل أوراقك الثبوتية حتى فحص الـ«دي إن إيه»، وفي أثناء اتجاهك صوب الباب وأنت تردد «اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا» ليستقبلك رجل الأمن الذي لا يبدو أنه كذلك، والذي ينظر إليك بعدم اكتراث ولا يهمه التثبت من هويتك أصلا، بعدها تسأل مكتب الاستقبال عن مكان الإدارة المعنية، فيسمعونك جميعهم لكن لسببٍ ما يتجاهلونك، فتعيد السؤال مرة أخرى، ليتكرم أحدهم بالتأشير فقط «مرغما» دون عناء الرد. تتمتم وحدك منزعجا وأنت في طريقك للتوجه إلى الجهة المشار إليها، تصل هنالك على أمل أن يتلقفك أحدهم برحابة صدر، لتجد مجموعة موظفات مجتمعات حول «التيك توك» غير آبهات بوجودك، فتُبادر بالسلام، وترد إحداهن «بنفسية» تحبطك! تقلب الأوراق، تدقق وكأنها تتمنى ألا تكون أوراقك كاملة، تشيح بوجهها عنك وتمضي مع الأوراق ذاتها دونما كلمة، وتنتظر بدورك غير مدرك مصير مستنداتك أو الخطوة التي تلحق كل ذلك.

يكمل البقية ضحكاتهم، ويتجاهلون وقوفك تماما، وفجأة: «راجعينا بعد يومين»! لا تفهم العلة بذلك، فتستفسر هل هنالك شيء ناقص لأكمله؟ «هذا السستم» ترد بجهامة لا تقبل معها النقاش، ثم تصرخ «أنور» وين صمونة الحلوم؟

شيء ما في هذه اللحظة يفصلك عن الواقع لتتأمل حولك، شاشات تكدس عليها التراب، رائحة مستشفى

بالرغم من أنه ليس بمستشفى! موظفات بليدات أوكلن مهامهن لمراسلين آسيويين يقومون بمهمة تخليصك مقابل «بقشيش» يرضي عبوسهم، وموظفون يزحفون إلى مكاتبهم وكأنهم مُجبرون، والكل يبدو كئيبا حتى صوت المكيف الذي يذكرك ببيت جدك القديم، كل شيء حولك يعمل ببطء وكأنهم في جُحر مظلم لم يرّ النور من مئات السنين.

أمضي وأتمتم بكلمات الامتعاض و«التحلطم»! وفي أثناء خروجي من ذلك المبنى التعيس، الذي يشعرك وكأنك في رحلة للقبر، أنصدم بأن أحداً «قليل ذوق» اختار أن يوقف سيارته خلف سيارتي بكيفه! أوه نسيت أن العالم في هذه المنطقة تحديدا فوضوي بجدارة!

أتأمل الخريطة التي تظهر على شاشة الـ«GBS» في سيارتي، لأرى المباني والحدائق الخضراء بهيئة الـ3D التي تحيط بالمنطقة ذاتها، وسرعان ما ألتفت بنافذتي فأتيقن أن الصورة لا تعكس الحقيقة في الواقع بتاتا!

وزارات حكومية لدولة غنية، لكنها فقيرة بالعمل، بالتنظيم، والاجتهاد وبالمنظر العام! ومسؤولون بمسمى وظيفي «ثقيل الوزن» لكنه فارغ، يجهل كيفية الإدارة! والهاجس الذي يؤرقني أنني سأعيد كرة هذه الرحلة العقيمة ثانيةً بعد يومين اتباعا لتعليمات موظفة الحلوم «المضطربة»!!