قطع مقتدى الصدر عزلته السياسية ولم يقطعها، حيث تحدّث في السياسة وأعطى رأياً في انتخابات المجالس البلدية بالعراق، كما انتقد خصومه في المعسكر الحليف لطهران، لكن من دون أن يتحدث عن موضوع سياسي!، بل كان يعلّق على قضايا عقائدية غريبة وغامضة أحيانا، ويتعامل مع ملابسات تحيط ذكرى رحيل والده المرجع محمد صادق الصدر، الذي اغتاله نظام صدام حسين عام 1998.

وليس الخطير أحوال مقتدى الصدر المعروف بقواعده الفريدة غير المتوقعة، بقدر ما يتزامن الأمر مع هجمات يشنّها خصومه ضده، وقرارات حكومية تمسّ قاعدته الشعبية، ما يشبه «نبش رماد» يُخفي نيران الصراعات داخل البيت الشيعي العراقي، الذي صار مأسوراً بنفوذ إيراني أكبر منذ انسحاب كتلة الصدر (73 نائباً) من البرلمان الصيف الماضي وتسليمها مقاليد السياسة الى حلفاء طهران.

Ad

وبنحو غريب، بدا الصدر «المعتزل» متفرغاً طوال أسبوعين، للحديث عن ذكرى اغتيال والده، فتارة ينشر تعليمات بخصوص المراسم، ثم يعدّلها، ليعود فيصدر لائحة بمن يحق لهم حضور المراسم، ثم يلغي المراسم عن بَكرة أبيها، وهو ما وصف بأنه «وقت فراغ خطير يعيشه زعيم التيار، محاطاً بالقلق مما يخطط له حلفاء طهران، وتعاظم السيطرة على مسارات السياسة، وتأثير ذلك على أتباع التيار».

وأعلن الصدر إلغاء مراسم ذكرى اغتيال والده، وأغلق المبنى الذي يضمّ ضريح المرجع محمد صادق الصدر ونجليه مصطفى ومؤمل، حيث أوصدت أبوابه الثلاثاء، لأول مرة منذ أعوام، وعلل الصدر ذلك في رسالة للجمهور قائلاً: «أريد أن أبرئ المخلصين من أفعال الشواذ... يدّعون بأنني الإمام المهدي... وما أنا إلا مقتدى بن محمد صادق، ابن محمد مهدي، بن إسماعيل».

ولم يتوقف الصدر عند ذلك، بل اتهم الميليشيات الحليفة لطهران، بأنها تدسّ عناصر داخل تياره، لإشاعة ادعاءات ومزاعم المهدوية، وهو تعبير يشير الى ظاهرة تتفشى بين حين وآخر عند «اتجاهات متطرفة»، وخصوصاً الجماعات المفرطة في سلوك التصوف، وتعتبر مدانة في النجف.

وفي إطار كلامه المتبرئ من الجماعة التي تزعم أنه «الإمام المهدي» وجّه رسالة الى أتباعه خلال خطبة الجمعة الماضية في الكوفة، أكد فيها مقاطعة انتخابات المجالس البلدية المقررة نهاية العام الحالي، ووصفها بأنها صراع دنيوي، وختم الأمر بوصف حاد: «سحقاً لمن شذّ عن الطريق».

ولم تتوقف التطورات، حيث اندلعت احتجاجات في عدد من المدن منذ مطلع الأسبوع، تطالب بالوظائف ورفع المرتبات، وتصاعد الأمر فجر الثلاثاء، وأحرق محتجون الإطارات وقطعوا الطرق بمدينة الصدر في بغداد، أكبر معقل للتيار.

أما أنصار الفصائل الموالية لإيران، فلم يسكتوا عن ذلك، حيث اتهموا التيار الصدري بالتصعيد ضد حكومتهم، بينما نفى التيار أن له يداً في الاحتجاجات، رغم أنها تتركز في المناطق الفقيرة التي عادة ما يكون جمهورها موالياً للتيار الصدري.

وفي الأسبوع نفسه، أقالت الحكومة المئات من المديرين العامين في مستويات تنفيذية عليا، معتبرة إياهم غير كفوئين، ويسود انطباع بأن معظم هؤلاء يمثلون «النفوذ العميق» للتيار الصدري في مفاصل الدولة، رغم أن الأوساط المقربة من التيار ومن رئيس الوزراء محمد السوداني، ينفون ذلك.

ولا يمتلك أحد إجابة واضحة حول كل هذه التداعيات، وما إذا كانت تعني عودة الصدر إلى الاشتباك مع الخصوم، أو أنه قد «ملّ الصمت والعزلة» حيال خصومه الذين ينهمكون في إعادة تشكيل المصالح وموازين القوة بنحو يبدو خطيراً على مستقبل التيار (ومستقبل الجماعات المدنية والعلمانية أيضاً)، حتى أن سياسياً بارزاً في بغداد، قال في تعليق لـ «الجريدة» إن المشكلة هي «أن الصدر يثير القلق حين يصمت، وحين يتحدث فإنه يثير القلق أيضاً».