ترجَّل المطرب الكبير عبدالكريم عبدالقادر، أحد فرسان ونجوم الأغنية الكويتية والخليجية الحديثة، أمس ، عن صهوة الحياة، عن عُمر ناهز 82 عاماً، بعد صراع مرير مع المرض، وإجراء جراحات متعددة في القلب والشرايين. وُلد عبدالكريم عبدالقادر في عام 1941. بدأ من بواكير حياته، ومنذ مرحلة الطفولة، بسماع الأغاني الطربية، حيث كان مستمعاً جيداً للفنانين في الساحة الكويتية، منهم: سعود الراشد، وعوض دوخي، ومحمود الكويتي. وعن هذه المرحلة كان يقول: «تربيت على أصواتهم، وكنت أعتز بهؤلاء الأساتذة، وكنت شغوفاً بتحقيق ما وصلوا إليه، لكن بطريقتي وأسلوبي».

اللون الشرقي الأصيل

لم يتقوقع الراحل على نفسه، بل سعى إلى تنويع ما يسمعه من ألوان غنائية، حيث كان يقول: «كنت أستمع إلى كبار المطربين بالوطن العربي، وفي مقدمتهم: الفنان محمد عبدالوهاب، وليلى مراد، وفريد الأطرش، وعبدالحليم حافظ وغيرهم من المطربين، فشكلت في البداية ذائقتي الفنية، ثم وجدت تأثير ذلك على اختياراتي وميولي في الغناء، فبت أستمع إلى اللون الشرقي الأصيل، إضافة إلى الأغنيات الشعبية المحلية التي تلامس وجدان المستمع». إطلالة أولى
Ad


رغم كل هذا الإعداد والتحضر والشغف في الغناء، لم يدر بخلد الفنان عبدالكريم عبدالقادر أثناء أداء أغنيته الأولى أنه سيمضي قُدماً في هذا المشوار، بل كان يتصور أنها تجربة ثم سيوصد هذا الباب، وربما لن تتكرر، لكن الأمور سارت باتجاه آخر، وكانت إطلالته الغنائية الأولى بعنوان «شوقي سعى إلى المدينة»، وهي أغنية دينية. وعن هذه الأغنية كان يقول الراحل: «للفنان يوسف المهنا دور كبير في مشواري الفني، إذ شجعني للولوج في عالم الغناء، ولساني لهج بأول أغنية كانت من ألحانه (شوقي سعى إلى المدينة)، ولم أقدم على غناء هذه الأغنية إلا عقب إصرار منه شخصياً لطرح اسمي في المجال الغنائي، من خلال أغنية أديتها بمناسبة دينية، وكان ذلك عام 1967. أذكر أن الأغنية قدمت في الإذاعة الكويتية، وحققت نجاحاً لا بأس به في تلك الفترة، وأشاد الكثير بصوتي وأدائي، ولم أكن أعلم أن هذه المشاركة ستكون فاتحة خير عليَّ، وبدأ المشوار، واستمر العطاء. بصراحة لم أكن أتوقع الاستمرار، وظننت أنها مجرد أغنية، وسأذهب في طريقي، لكن هي مشيئة الخالق».

وتعاون الراحل مع يوسف المهنا في العديد من المشاريع الفنية، منها: أنا الخليجي، لبيه يا خليجناه، هيدوه، وداعية، الفروع الستة، حبي وتقديري، حي على الفلاح، يا شيخنا يا بن صباح، عصفورة ووردة، توشحت، عاشق الشعب، في جبين الشمس، الكويت للكويتيين، كيف أقنعك، بيارق النصر وآهات ليلي.
في الاستديو مع راشد الخضر ومحمد البلوشي
دعم وتشجيع

اشتهر الراحل بدماثة الخُلق والذوق الرفيع، كما أنه كان لا ينكر من دعمه ووجه له النصح، وضمن هذا الاتجاه كان يقول: «لا أستطيع تقدير حجم سعادتي حينما قرر المطرب الكبير سعود الراشد تقديم لحن لي، إذ كان هذا نوعاً من الدعم والتشجيع لي من قامة فنية كبيرة، وبُعد نظر وتقدير لقيمة تواصل الأجيال واستمرارها، وفي مرحلة لاحقة احتضنني الملحن الكبير أحمد باقر، والملحن الكبير عبدالرحمن البعيجان، وكانا بمنزلة الركيزتين الأساسيتين اللتين استندت إليهما حينما كنت قليل الخبرة وحديث التجربة، فوجدت منهما كل الدعم والتشجيع والتوجيه، وقدمت أعمالاً تشكل علامات بارزة في مشواري الفني، منها: سرى الليل، وما نسيناه، ليل السهارى، ونعم نحبك». «ليل السهارى»

بعد أغنية «شوقي سعى إلى المدينة» تلقى إشادة كبيرة، ثم تعامل مع الملحن عبدالرحمن البعيجان في أغنية «تكون ظالم»، ونالت التجربة استحسان الجمهور. ويقول الراحل عن هذه التجربة: «عقب هذا النجاح أراد البعيجان أن أكرر التعاون في أغنية مشابهة لهذا اللون العربي الشرقي، لكن حينئذ أخبرته بأني لا أريد الاستمرار في هذا اللون الغنائي، لأنني إذا أديت ألف أغنية مثل (تكون ظالم)، فلن أصبح عبدالحليم حافظ، ولم يدفعني هذا النجاح إلى التخلي عن رغبتي الحقيقية في تقديم عمل فني يحمل هويتي وتراثي، لذلك قلت له إنني أبحث عن لحن شعبي يمس وجدان المتلقي المحلي والخليجي، وكما نقول بلهجتنا (أنا أريد أن ألبس هذا الثوب المحبب)، وأيَّدني في هذا الكلام الشيخ خليفة العبدالله، واقتنع البعيجان بذلك، ثم بدأت مسيرة النجاح والأعمال المميزة، وقدمنا: ليل السهارى، وما نسيناه وغيرهما للملحن عبدالرحمن البعيجان، فله في قلبي مكانة كبيرة، وأدين له بفضل كبير، ومن حُسن الطالع أني التقيت هذا الفارس الفنان، وحينما تعاملت معه وجدت أن ثمة قواسم مشتركة تجمعنا، وكان يفهمني، ويفهم طبيعتي واختياراتي».

الحفلات الغنائية

ولأنه لا يبحث عن المزيد من الشهرة أو المال، كان الراحل لديه فلسفة خاصة في الحفلات الغنائية، حيث لم يكن يجد نفسه في الحفلات الغنائية، وكان يقول ضمن هذا الاتجاه: «لم أعد أجد نفسي في الحفلات الغنائية، ولا أحس بأنها تمثلني، والناس يعتقدون أنهم خسروني بسبب هذا القرار، لكن في الحقيقة أنا الذي خسر رؤية الناس والتواصل معهم والمشاركة في هذه المناسبات. وصلت إلى قناعة بضرورة التوقف عن المشاركة في الحفلات الغنائية، وربما الأسلوب أو النمط، لكن هو قرار اتخذته بقناعة تامة، وخلال الفترة الماضية تلقيت أكثر من دعوة في مهرجانات أكنّ لها كل تقدير واحترام، لكنني فضَّلت الاعتذار، وأرجو قبول رغبتي مع التقدير والتوقير لهذه الشخصيات والمهرجانات التي وجهت لي الدعوة، وأرى أن العودة إلى هذه الحفلات الغنائية فيها صعوبة جداً».
مع مجموعة من المطربين الشباب


عام كامل

وكان الراحل يتحدث عن أبرز أغنياته والثنائيات التي اشتهر بها، وكان يقول ضمن هذا السياق: «غريب، وأنا رديت، وباعوني، أغنيات تُعد محطات جميلة في حياتي، والتقيت من خلال هذه الأغاني مجموعة من الأساتذة الشعراء والملحنين، أمثال: عبدالرب إدريس، وبدر بورسلي، وعبداللطيف البناي، وانطلقنا في عمل ضمنه هذه الأغنيات، واستمرت العلاقة، وقدمنا كثيراً من الأعمال، ونجحنا، فهؤلاء هم شركاء النجاح الذي منحوني إبداعهم لأشدو به».

وأضاف: «أغنية (غريب) دائماً يذكرني بها الجمهور، وكانوا يقولون إنها تميزت بإحساس غير، لكن في الحقيقة عشت عاماً كاملاً تقريباً في التحضير لهذه الأغنية، وكنت مع الشاعر والملحن لحظة بلحظة وكلمة كلمة، لذلك حين أديتها كانت تعيش في داخلي، وكأنها جزء مني، وجاءت بهذا الإحساس الجميل التي استحسنه الجمهور، وتربطي علاقة وثيقة بعبداللطيف البناي وبدر بورسلي، وهما رفيقا درب، وبيننا رحلة عُمر طويلة، وكذلك د. عبدالرب إدريس، الذي أعتبره أيضاً من شركاء النجاح، فهناك لغة تفاهم بيني وبينه، ونظراً للانسجام في أحد الأعمال، جرى تلحينها عبر الهاتف، إذ كنت أنا بالكويت وهو في جدة، ولم تمضِ إلا ساعات، وأنجز هذا اللحن».

«وطن النهار»

لا يمكن تحديد أغنية واحدة أو خمس أغنيات تستطيع تصنيفها ضمن الأفضل في مشواره، فهو له الكثير من الأغنيات العاطفية أو الوطنية أو الرياضية التي شكَّلت علامات بارزة في سماء الأغنية الكويتية ووجدان المستمعين، ومن هذه الأغنيات «وطن النهار»، التي كان يصفها بأنها أغنية مختلفة، وتمثل ذاكرة وطن، وتؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الكويت، وستبقى في الوجدان والذاكرة، لأن ما حدث ليس سهلاً، وهذه اللوحة الغنائية تصوّر حدثاً كبيراً لم يكن يخطر على البال، وسيتوارث الأجيال هذه اللوحة، التي ترصد من خلال 7 دقائق 7 أشهر من تاريخ صعب عاشته الكويت.
الراحل في إحدى المناسبات

الطائر المحلِّق يرفض الأسوار والقيود

من أبرز أقوال الفنان الراحل:

• كنت أدخر من مصروفي لشراء الاسطوانات المتوافرة آنذاك، وفي مرحلة لاحقة بدأت أغني في جلسات الأصدقاء والزملاء، فوجدت ثناءً كبيراً على إمكاناتي الصوتية وإحساسي بالكلمة واللحن.

• الحزن الذي يسكن صوتي ليس مفتعلاً، فهو هبة من الخالق، وفي نفس كل إنسان الفرح والحزن، لكن نبرة صوتي مؤثرة جداً في الحزن، وإحساسي بما أغنيه ينال استحسان الجمهور.

• يتميز الملحن الكبير يوسف المهنا بحس فني جميل، ولديه القدرة على صياغة جُمل لحنية مختلفة، وتحمل بصمته، وإضافة إلى أنه فنان متعدد المواهب، فهو ملحن كبير وشاعر قدير.

• أناقش الشاعر في الكلمة، ومن خلال هذا الحوار نخرج بنتيجة ترضي الطرفين، ويحدث التغيير، وسيكون للأفضل بقبول الشاعر.

• بطبعي أحب التأني، ولست مستعجلاً، لذلك اعتمدت على أسس منذ بداية دخولي المجال الغنائي، إذ كنت أبحث عن الفكرة المختلفة في الكلمة واللحن.

• أنا أعتبر الفنان كالطائر المحلِّق، الذي يرفض الأسوار والقيود، وأنا بصراحة عرضت عليَّ شركات كبيرة عقود احتكار، لكنني فضلت البقاء حُراً، وأحمد الله أنني كنت على صواب.

• لا أنظر إلى المال، وقد منحت الفن عُمري وجهدي، ومنحني الفن حُب الناس، الذي لا يقدَّر بملايين الدنانير، وأعتقد أن محبة الناس لا تأتي بالمال، وأشكر جمهوري على هذه المحبة والتواصل والوفاء.

• تمنيت أداء أغنية الفنان محمد عبده «لا تردين الرسايل»، لكن ثمة شهادة يجب أن أقولها، إن الفنان محمد عبده أجاد فيها، ونجحت الأغنية بصوته.

• المطربة نوال لها بصمة جميلة في الساحة الفنية، ولها جمهورها، وهي الوردة الجميلة في الغناء الكويتي، ووصلت إلى قلوب المستمعين والمشاهدين.