هكذا الجميع يقولون، ويرفعون شعار الحرب على الفساد، وكأن الفساد وباء لا يعرف مصدره ولا من يقوم به أو ينشره، فالفساد فعل له فاعل حتماً، لكن الفاعل مجهول وهو معلوم، ولا أحد يجرؤ أن يسمي الفاسد باسمه الحقيقي، لذلك نسمع بالفساد دون أن نعرف الفاسد.

أصبحت الحرب على الفساد كالحرب على الإرهاب يستخدمه الساسة للقضاء على خصومهم أو معارضيهم دون دليل، بل يتكسبون من خلاله لتحقيق مصالحهم الشخصية، فالفساد لم ينشأ دون فاعل، ولم ينتشر دون دعم وحماية الفاسدين، والغريب أنه أصبح مادة يتغنى بها الجميع، ويعلن الحرب عليه دون أن يفصحوا عن المتسبب في هذا الوباء ودون حتى وضع الآلية للقضاء عليه.

Ad

ويعتقد الناس أن المشكلة في الفساد كجريمة مدمرة دون أن يدركوا أن خطورته تكمن في الأفراد الذين يقومون به، وينشرونه لتحقيق أجنداتهم ومصالحهم، والحرب عليه لن يتحقق معها النصر طالما لن تطول الفاسدين، فمعركة الفساد ليست معركة شعارات سياسية، وليست سهلة حتى يتحقق معها النصر خصوصا أن الفاسدين يمتلكون منظومة متطورة وقوية ذات نفوذ وأدوات، ولا يمكن النجاح في التصدي لهم والقضاء على فسادهم دون تسخير كل الإمكانات وتضافر الجهود والتعاون لإقصاء الفاسدين من سدة القرار والنفوذ.

لقد استغل الساسة مصطلح الحرب على الإرهاب ليتمكنوا من القضاء على كل من يعارضهم، ولا يتفق معهم، وها نحن اليوم نرى ساستنا يستغلون الحرب على الفساد، ليعلنوا حربهم عليه رغم فساد بعضهم، وكأن الفساد الذي يحاربونه شخصية وهمية لا وجود لها، بل نرى اليوم أن غالبية من يحاربون الفساد متورطون في قضايا فساد أو موالون للفاسدين ويحمونهم.

يعني بالعربي المشرمح:

شعار الحرب على الفساد يذكّرنا بنظرية الحرب على الإرهاب دون تحديد الفاعل لهذا الفعل، ودون وضع آلية واقعية للقضاء عليه، فالفساد ليس الفاسد بل هو فعل الفاسد، ودون القضاء على الفاسد لن ينتهي الفساد، والشعارات التي يتغنى بها الساسة لا يمكن لها أن تقضي على الفاسدين وفسادهم.