من الواضح في تقرير كابتن جيرالد ديغوري، الذي استعرضناه في المقال السابق، أن الوكيل السياسي البريطاني في الكويت كان يساند فكرة تأسيس مجلس نيابي كويتي يشارك الحاكم في إدارة البلاد، ولذلك حاول إبراز سلبيات إدارة الشيخ أحمد الجابر وإخفاء إيجابياته. وكان ديغوري، قبل يوم واحد من هذا التقرير، قد كتب تقريراً آخر شرح فيه بعض التطورات التي وقعت خلال الفترة القصيرة السابقة، ومن المهم أن نستعرض أهم ما ورد فيه من أفكار ومعلومات، وهي كالتالي:

الأمير وافق على فكرة المجلس المنتخب، والذي طالب به ثلاثة من التجار البارزين الذين يتمتعون بتأييد كبير من الشعب.

Ad

في نفس يوم موافقة الأمير على انتخاب المجلس، نُظّمت الانتخابات مساء 6 يوليو 1938 وشارك فيها 150 رجلاً من رؤساء العائلات الكويتية، وانتخبوا 14 شخصاً منهم لعضوية المجلس.

نشأ بعد الانتخابات تكتُّل صغير معارض للمجلس، مكون من سكرتارية الحاكم، وأحد التجار، ومدير البلدية، وسعوا جميعاً إلى محاربة المجلس وإفشال خططه.

كان هناك نشاط سياسي معتبر وحالة من الغليان قبل موافقة الشيخ، وكان واضحاً أن الشيخ عليه أن يفسح المجال للمعارضة، أو أن يجد نفسه في عزلة عن الشعب.

في جلسة شرب القهوة صباح يوم 4 يوليو، قال الشيخ للحاضرين: ماذا لو غيّرت رأيي بالسماح بإجراء الانتخابات؟ فنهض ممثلو التجار، وقال أحدهم: «في هذه الحالة نقول في أمان الله»، وهمّوا بالخروج، لكنّ الشيخ تدارك الموقف بسرعة، وأكد أنه ملتزم بالموافقة على المجلس.

وفي حال عدم موافقة الحاكم على مطالب التجار، كانوا سيقدمون مطالبة مكتوبة وموقّعة منهم جميعاً للوكيل السياسي البريطاني لحكم بريطاني مباشر.

في يوم 5 يوليو، أمر الشيخ أحمد بإطلاق سراح أحد المسجونين، وكان قد تعرّض لتعذيب شديد في شهر مارس الماضي، مما أسعد الناس.

حاول تجمُّع المعارضين للمجلس أن يشوه سمعته، بإشاعة أن المجلس تسنده قوى خارجية وأنه متحرر من الدين، ولكن ذلك لم يُجدِ نفعاً، وفي صباح يوم السادس من يوليو أصدر الشيخ أحمد موافقته الرسمية على تنظيم انتخابات لاختيار أعضاء المجلس.

وفي وسط التقرير، قال ديغوري: «بشكل عام، أشعر أن الأمور أسفرت عن نتيجة طيبة بالنسبة لنا. وبما أن نصيحتكم للشيخ بالموافقة على المجلس كانت معروفة لدى الناس، فإن المجلس والناس يشعرون بوحدة الموقف معنا وأنهم ممتنون لدعمنا لهم».

كما أعرب عن رأيه بأنه لو لم تتم الموافقة على إنشاء المجلس، لتصاعدت الأزمة بشكل سريع قد يؤدي إلى خسارة الشيخ لحياته وتقارب كبير مع العراق.

وفي نهاية التقرير أوضح الوكيل السياسي البريطاني أنه يعتقد أن الكويت ستشهد إدارة جيدة للبلاد، لأنّ المجلس يتألف من رجال ذوي خبرة ولهم وزن كبير في البلد.

ولا بدّ أن أشير هنا إلى أن بعض ما كتبه ديغوري لحكومته ليس صحيحاً، مثل قوله إن المعارضة ستتجه لطلب حكم بريطاني مباشر إذا لم يوافق الشيخ أحمد الجابر على مطالبهم، إذ إنه في وقت ما عرض عليهم هذا الأمر ورفضوه قطعياً، حسبما ذكر خالد سليمان العدساني في مذكراته، كما أنّ قوله إن الشيخ أحمد سيفقد حياته عند رفضه مطالب الشعب أمر مُبالغ فيه، وهو من وحي خيال ديغوري الجامح والبعيد عن الواقع.