كنا نعتقد في مراحلنا العمرية الأولية، أن «الحقد» يكمن في صديق يطمح أن يسبقك درجة دراسياً، أو زميل يودّ سقوطك كي يحل مكانك، ثم تطورت الحال فأصبحت صور الحقد أكثر وضوحاً في المرحلة الجامعية ثم تتبعها مراحل العمل المختلفة.

لم أكن شخصياً أعلم أن هنالك نوعاً من الحقد اللعين الخفيّ المجرّم إنسانيا، ذاك الذي يجعل المرء يتخلى فيه عن أخلاق وقيم المهنة، فيبدأ بالتركيز على التنافس الشرس مع زملائه لدرجه يتلاشى معه الشعور بالآخرين، والهدف السامي وراء خدمة الناس والمجتمع!

Ad

اضطررت مرة لعمل عملية جراحية عند أحد أشهر الجراحين وأمهر الدكاترة في الوطن العربي والعالم إن صح التعبير، وبعد الانتهاء من العملية بنجاح، ورجوعي إلى الكويت، كان لابد من فك ما تبقى من الضمادات الطبية بطبيعة الحال، فلم أكن أتخيل كمية الحقد الذي يحمله بعض من يدّعون شرف المهنة، إلا عندما شهدت بعيني امتعاضهم وتأففهم من مجرد فك ضمادة وضعها طبيب يسبق صيته اسمه، وكأنهم يتمنون عاهة تصيبني ليشيروا بذلك على اسمه!

لم أتخيل أن يصل التنافس يوما مرحلة اللا إنسانية، لأجد نفسي في موضع الذي «يشحت» خدمة مجرد فك ضمادة! فقط لأن من وضعها وأشرف على العملية شخص يفوقهم علماً واحترافاً! كيف يمكن لمهنة كالطب أن تتحول إلى ساحة معركة خفيّة، يرشق فيها الطبيب زملاءه ليشمت بعملهم؟ وما ذنب المريض من وراء ذلك؟ والأدهى والأمر عندما يجد المريض نفسه في دوامة نفسية لسوء معاملة من يفترض فيه أن يكون الدواء لأي داء!

عزيزي الدكتور الحقود: لا مانع من أن يستخدمك المراجع كجسر لاستكمال الإجراءات الطبية اللاحقة دون اللجوء إليك كطبيبه الأساسي، هذا لا علاقة به في شخصك ولا في تصفية حساباتك مع زملائك الأطباء، فلا تمارس غرورك على المرضى، لتُعيب بذلك مجهود طبيب آخر يفوقك علماً!

أحزنني كثيراً أن أكون ضحية لهذه العقلية السقيمة، وأحزنني أكثر أن يكون لدينا مثل أولئك الأطباء المزيفين في وطننا الشريف، وكما يقول أحمد شوقي:

ارْحَم نَفسَك من الحِقْدِ فإنّه

عَطَب نارٌ وأنتَ الحَطَب.