التصريحات التي أطلقها وزيـــــر العـــــــدل وزيــــــر الأوقـــــــاف د. عامر الرطام، عقب اجتماعه الأول بالمجلس الأعلى للقضاء، غير كافية، وتتطلب منه أفعالا وجهودا عملية فعالة للخروج من حالة التدهور الإداري الذي تشهده قطاعات المحاكم التابعة لإشراف الوزارة.

كما تتطلب العمل من وزارة العدل ومجلس القضاء لوضع استراتيجية واضحة المدى لتطوير وترتيب الوضع الإداري في المحاكم، تقوم بتنفيذها أجهزة الوزارة مباشرة أو بإشراك وبمساعدة القطاع الخاص، وهو أمر عمدت بعض الأنظمة القضائية الحديثة على تطبيقه.

Ad

وما أعلنه الوزير من مطالبته مجلس القضاء بعقد الجلسات عن بعد في القضايا العمالية والإيجارات لن يترجم فعليا أو يدخل حيز التنفيذ في اليوم التالي من تصريحات الوزير، وإنما يتطلب الوقوف على حقيقتين.

تنظيم تشريعي

الحقيقة الأولى التي يجب الوقوف عليها، هي هل تسمح القوانين الحالية، كقانون المرافعات وتنظيم القضاء، بعقد الجلسات عن بعد بشكل عام أو العمالية أو الإيجارات بشكل خاص؟ والإجابة: لا، فالأمر يتطلب تنظيما تشريعيا يسمح بذلك الإجراء ومشروعيته من الناحية القانونية، وهو ما يتطلب معه إخضاع تلك القوانين للتعديل، ومن ثم الإقدام على التطبيق وعلى الأقل الاكتفاء بتعديل قانون المرافعات، خاصة أن هناك مشروعا تسلمته الوزارة قبل نحو عامين بتعديل قانون المرافعات، وينتظر الرفع بعد أن تم إنجازه من إحدى اللجان المشكلة من وزير العدل الأسبق، ويتضمن هذا المشروع تعديلا على نظام عقد الجلسات، والسماح بإجرائها عن بعد ووفق الأنظمة الإلكترونية.

والحقيقة الثانية التي يجب معرفتها قبل الحديث عن تطبيق الجلسات عن بعد هي سلامة البيئة الإدارية والفنية في قطاعات المحاكم، وقدرتها على تحقيق وانجاز عقد الجلسات عن بعد؟ والإجابة أيضا لا، فالبيئة الحالية ليست قادرة على تحقيق هذا الأمر لسببين، الأول يعود إلى قلة عدد الموظفين في قطاع المحاكم، وتحديدا في المحاكم الأكثر مراجعة وارتيادا من المتقاضين، كمحكمة قصر العدل ومحكمة الرقعي ومحكمة حولي، وهو ما يتطلب العمل على زيادة عدد الموظفين المتخصصين لإنجاز الأعمال الإدارية في قطاع المحاكم.

أما السبب الثاني فهو عدم قدرة الموظفين الحاليين من الناحية الفنية، وضعف تأهيل العديد منهم على ممارسة الأعمال التقنية الإدارية عن بعد، فضلا عن غياب الرقابة والأنظمة التي تضمن إنجازهم لتلك الأعمال عن بعد، بسبب تدهور البيئة الإدارية في قطاع المحاكم، وهو ما يلزم معه الحال إصلاح تلك البيئة بوضع الأنظمة الكفيلة بتحقيق تلك الرقابة.

ولذلك فإن تحقيق التقاضي عن بعد ليس تصريحات بقدر ما هو فهم لطبيعة الواقع الذي تشهده المحاكم أولا، بل يمكن إنفاذ وتحقيق تلك التصريحات في أماكن أخرى، بل ومن اليوم التالي بكل سهولة ويسر، وتحديدا في قطاع الخبراء، وذلك بعقد جلسات الخبراء عن بعد، وهو قطاع يعرفه الوزير الحالي جيدا، ويفهم إمكانياته التي تسمح بتحقيق ذلك.

تنظيم تقني

كما أن إدخال الجلسات عن بعد في الخبراء يتم من خلال وضع تنظيم تقني عبر أحد البرامج المعتمدة، كتطبيق زووم أو تيمز، الذي اعتمدته وزارة التربية باعتماد الدراسة عن بعد أو عند عقد الجلسات الخاصة بنظر التظلمات لدى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أو أي تطبيق تراه الوزارة يسمح بعقد جلسات الخبراء عن بعد، وبالإمكان إدخاله تدريجيا في العمل ببعض القضايا وتعميمه لاحقا بشكل عام.

وإدخال مشروع عقد الجلسات عن بعد له ما يبرره في ظل اتساع مقار إدارات الخبراء في البلاد، وضرورة حضور المتقاضين أمامها، لاسيما في الأنزعة التجارية، وهو ما يتطلب معه الحال إمكان تطبيقها على نحو سريع ودون أن يتطلب ذلك تعديلا تشريعيا، على اعتبار أن قانون الخبراء الحالي لم يمنع إمكانية عقد الجلسات عن بعد، علاوة على إمكان تطبيق قواعد الإثبات في قانون المعاملات الإلكترونية الصادر عام 2014 على نظام عقد الجلسات أو ما يتم عبرها.

كما أن على وزارة العدل الإسراع، وبالتعاون مع مجلس القضاء، بالعمل على مواجهة العديد من القضايا الملحة والهامة، وفي مقدمتها تعديل قوانين المرافعات والرسوم والقضاء لأنها المعوقة اليوم لجملة من الإصلاحات التي تستهدف تطوير قطاع المحاكم وتسهم في حوكمة القطاع، لأن تلك التعديلات ستساهم في حل قضايا تراكم الطعون وعقد الجلسات عن بعد وتحضير الدعاوى ورقمنة الخدمات القضائية على نحو عام، فضلا عن إدخال وسائل التوفيق وتسوية المنازعات وتأقيت التقاضي أمام المحاكم، فضلا عن اتساع مفهوم الرقابة والتفتيش على أعمال المستشارين في المحاكم، والتي يقتصر التفتيش فيها على أعمال القضاة حتى درجة وكيل محكمة.