على وقع اشتداد أزمات الغذاء والمياه والدواء والوقود وشح السيولة في السودان، وضعت الأمم المتحدة ودول الجوار خططاً لتدفق مئات الآلاف عبر الحدود هرباً من المعارك الطاحنة المستمرة منذ 11 يوماً بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في وقت واصلت دول العالم عمليات إجلاء دبلوماسييها ورعاياها جواً وبحراً وبراً.

وأكدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، في مؤتمر صحافي في جنيف، تأهبها لفرار 270 ألف شخص عبر حدود السودان، وهو رقم أولي لا يغطي حتى الآن سوى اثنتين من الدول السبع المجاورة للسودان، هما جنوب السودان وتشاد.

ومع تأكيد المفوضية أن لديها تقارير عن بدء وصول بعض اللاجئين إلى مصر، قالت مصادر حكومية، لـ «الجريدة»، إن القاهرة، التي تستضيف أكثر من 5 ملايين سوداني تكثف استعداداتها لمواجهة موجة نازحين في ظل تدهور الأوضاع.

إلى ذلك، قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أزمات نقص الغذاء والمياه والدواء والوقود وشح السيولة بالسودان أصبحت حادة خصوصاً في العاصمة الخرطوم. وحذرت منظمة الصحة العالمية من «خطر بيولوجي هائل» هناك بعد سيطرة أحد طرفي القتال على معمل يحتوي على مواد منها مسببات الحصبة والكوليرا، وإخراج الخبراء الفنيين منه.

ووسط تحذيرات الأمم المتحدة من إمكانية تمدد الصراع إقليمياً، أفادت مصادر مطلعة «الجريدة»، بأن مصر بدأت التحقيق والتقصي لمعرفة المسؤول عن قتل مساعد الملحق الإداري بسفارتها في الخرطوم محمد الغراوي.

ورداً على اتهام الجيش السوداني لها بقتل الدبلوماسي المصري، أعربت قوات الدعم السريع عن تعازيها لمصر وشعبها، مشددة على «أن يد الغدر أرادت أن تعبث بالعلاقات».

وفي فتاصيل الخبر:

مع اشتداد حدة الأزمات الإنسانية، في ظل نقص الوقود والمياه والغذاء والدواء، تتأهب دول جوار السودان لموجات من النزوح مع استمرار القتال بين قوات الجيش، بزعامة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بزعامة أحمد حمدان دقلو (حميدتي)، رغم الإعلان عن هدنة جديدة بينهما، في حين أثارت عمليات الإجلاء الدولية مخاوف من أن القتال سيطول، فيما بدأت مصر تحقيقاً لمعرفة الجهة التي تقف وراء مقتل أحد دبلوماسييها في الخرطوم، وسط تحذيرات دولية من إمكانية تمدد الصراع إقليمياً.

مصر تحقق

Ad

وغداة مقتل مساعد الملحق الإداري بالسفارة المصرية في الخرطوم، تعهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحماية شعبه من أي شر يصيبه، في وقت كثفت حكومته استعداداتها لاستقبال أي موجة نازحين حال تدهورت الأوضاع في السودان.

وقال السيسي إن «تحرير سيناء من الاحتلال والإرهاب، ومن كل شر يصيبها أو يصيب أي جزء من أرض مصر الخالدة، هو عهد ووعد نلتزم به ونواصل العمل من أجل تعزيزه وحمايته».

ونعت وزارة الخارجية المصرية مساعد الملحق الإداري محمد الغراوي، الذي قتل مساء أمس الأول، خلال توجهه من منزله إلى مقر السفارة بالخرطوم، لمتابعة إجراءات إجلاء مواطنيه، مؤكدة أن «شهيد الواجب ذهب رمزاً للتضحية والفداء في سبيل الوطن وحماية مصالحه العليا».

وقالت مصادر مطلعة، لـ«الجريدة»، إن مصر بدأت التحقيق والتقصي لمعرفة الجهة المسؤولة عن قتل الدبلوماسي، وأصدرت تعليمات بتقليل حركة أفراد البعثة، والابتعاد تماماً عن أماكن الاشتباكات لحين انتهاء الإجلاء.

وعلى وقع استمرار الاتصالات مع الأطراف السودانية لتأمين إجلاء نحو 10 آلاف، نصفهم طلاب جواً وبراً، قالت مصادر حكومية لـ«الجريدة» إن مصر تكثف استعداداتها لاستقبال أي موجة نازحين حال تدهورت الأوضاع، إضافة إلى أكثر من 5 ملايين سوداني يعيشون حياة طبيعية فيها.

وبعد حملة مصرية عبر مواقع التواصل تطالب بدخول النازحين دون تأشيرة، دشّنت عدة قرى حدودية حملات لجمع المساعدات وتوفير الأماكن لاستقبالهم، مع بدء توافد الحافلات على معبر أرقين المصري.

ورداً على اتهام الجيش السوداني لها بقتل الدبلوماسي المصري، أعربت قوات الدعم السريع عن تعازيها لمصر وشعبها، وشددت على «أن يد الغدر التي امتدت للفقيد أرادت أن تعبث بالعلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، وأنها لن تدخر جهداً في التعاون لكشف الحقائق».

هدنة جديدة

وبعد عشرة أيام من المعارك الدامية، انحسر القتال في الخرطوم أمس، بشكل كبير مع موافقة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» على وقف جديد لإطلاق النار لمدة 72 ساعة، توسطت فيه الولايات المتحدة والسعودية.

وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الهدنة جاءت بعد مفاوضات مكثفة على مدى‭ ‬يومين، وحض «على الالتزام الفوري والكامل بها»، مشيراً إلى أنه يعمل مع شركاء لتشكيل لجنة تتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار في السودان.

ولاحقاً، اتهم الجيش قوات الدعم السريع بخرق الهدنة المعلنة ومحاولة «احتلال» مواقع داخل الخرطوم وخارجها، مؤكداً رصده تحركات لأرتال عسكرية من غرب السودان وأرتال أخرى من بابنوسة والمجلد تتجه إلى العاصمة لتنفيذ عمليات واسعة النطاق.

وعلى وقع أزمة الغلاء المتفاقمة بسبب شح السيولة النقدية، تحدث الجيش عن تحرك مجموعات نحو مصفى الجيلي للسيطرة عليها خلال الهدنة، لخلق أزمة في إمدادات الوقود بكامل السودان، مع استمرار احتلال مواقع مدنية وتقييد التحركات.

وفي تطور لافت، أعلن الجيش تلقيه بلاغاً من سفارة سلطنة عمان باحتلال قوات الدعم السريع مقرها بالكامل، وسرقة عربة تتبع للبعثة، وأشار إلى بلاغ مماثل من السفير الكوري يطلب إخلاء جوياً لأفراد جاليته، بسبب هجوم المتمردين على منزله، وتحطيم كرفانات الحماية خارج مقرات البعثات.

وأكد الجيش وقوع تعديات كثيرة على مقرات البعثات الدبلوماسية وإطلاق الأعيرة النارية على السفارة الهندية بمنطقة العمارات، إلى جانب بلاغات متعددة من سفارات كوريا، وسويسرا، وروسيا، وإثيوبيا، واليمن، وسورية، والمغرب، وإسبانيا، بتمركزات لقوات متمردة، بالقرب من مقرات هذه البعثات وتهشيم كاميرات المراقبة الخارجية.

في المقابل، اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بخرق الهدنة واستهداف وحداتها المتمركزة في القصر الجمهوري بقصف مدفعي عشوائي، إضافة إلى التحليق المكثف للمقاتلات، معتبرة أن «كسر شروط الهدنة المعلنة يؤكد وجود أكثر من مركز قرار داخل قيادة القوات المسلحة وفلول النظام البائد».

وضع خطير

وفي حين أعرب بلينكن عن «قلق بالغ لوجود مجموعة فاغنر الروسية»، حذر نظيره البريطاني جيمس كليفرلي من أن الوضع لا يزال خطيراً ومتقلباً ولا يمكن التنبؤ به، مبينا أنه سيواصل الضغط من أجل الحفاظ على وقف إطلاق النار.

وأكد كليفرلي تحدثه إلى الجنرالين البرهان و«حميدتي» بشكل مباشر ومن خلال وسطاء للسماح بإجلاء البريطانيين، والعمل عن كثب مع الشركاء لتسهيل العملية. ومع احتدام المواجهة، عرضت إسرائيل، أمس الأول، استضافة الجنرالين لمناقشة المصالحة ووقف إطلاق النار، ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أن الوساطة كانت بدافع من واشنطن، وأن مسؤولي الخارجية الإسرائيلية تحدثوا مع البرهان، في حين تواصل «الموساد» مع «حميدتي» لوقف الاقتتال.

خطر بيولوجي

وقبل جلسة مجلس الأمن، نبّه ممثل منظمة الصحة العالمية نعمة عابد إلى أن «خطراً بيولوجياً هائلاً» بعد سيطرة أحد طرفي القتال على المختبر المركزي للصحة العامة، الذي يحتوي على عينات مسببة لأمراض الحصبة والكوليرا وشلل الأطفال.

وشدد على أن «رئيس المختبر أبلغه في اتصال هاتفي بأن مجموعة من المتقاتلين احتلته الآن، وأخرجت كل التقنيين منه وحولته إلى قاعدة عسكرية، والوضع خطير جداً».

إلى ذلك، وثقت منظمة الصحة 14 اعتداء على قطاع الصحة منذ 15 أبريل، وأشارت الى أن المعارك أدت إلى مقتل 459 شخصاً وإصابة 4072 بجروح.

وأبدت مفوضية اللاجئين خشيتها من أن تدفع المعارك في السودان إلى فرار ما يصل إلى 270 ألف شخص نحو تشاد وجنوب السودان «في أسوأ الحالات».

وقدرت المفوضية أن 800 ألف من جنوب السودان يعيشون في السودان سيعتمدون على أنفسهم في العودة إلى وطنهم الذي فروا منه هرباً من الحرب.

عمليات الإجلاء

ومع تسجيل المعارك تراجعاً نسبياً، تواصل الإجلاء، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس إجلاء 538 شخصاً بينهم 209 فرنسيين، في عملية أسفرت عن إصابة جندي بإطلاق نار لكن «حياته لم تعد في خطر».

وبعد اقتصار عملية إجلاء سابقة على الدبلوماسيين، بدأ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عملية إجلاء واسعة النطاق لحملة جواز السفر البريطاني، متعهداً «بمواصلة العمل من أجل إنهاء سفك الدماء ودعم حكومة ديموقراطية».

وأعلنت المخابرات العسكرية الأوكرانية إجلاء 138 مدنياً تقطعت بهم السبل بسبب القتال الدائر في السودان إلى مصر، موضحة أن من بينهم 87 مواطناً معظمهم من المتخصصين في مجال الطيران وأفراد أسرهم.

وقال المتحدث باسم وزارة العلاقات الدولية بجنوب إفريقيا كلايسون مونييلا، إن حافلتين تقلان رعايا لبلده وصلتا بأمان إلى الحدود مع مصر، تمهيداً لإعادتهم.

وفي حين أعلن وزير الاتصال التشادي عزيز محمد صالح عن ترتيبات لإجلاء 438 من الخرطوم لبورتسودان، نفت الحكومة انحياز المجلس الانتقالي برئاسة محمد إدريس ديبي لأي من الأطراف المتحاربة في السودان.

وفي ردها على تأكيد تقرير إعلامي بأن ديبي يقف مع الجيش السوداني، بقيادة البرهان في حربه ضد ميليشيا الدعم السريع، قالت الخارجية التشادية إنها «تنفي المعلومات الكاذبة للمصدر الدبلوماسي التشادي»، وأدانت العنف وشددت على الحاجة الملحة إلى حل سلمي.