مع استمرار رفض الطرفين المتحاربين للحوار، عاش السودان أمس يوماً ثانياً من «حرب الجنرالين»، رئيس مجلس السيادة الحاكم قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي يقود «قوات الدعم السريع».

وشهدت العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى معارك بكل أنواع الأسلحة الثقيلة بما في ذلك الطيران الحربي، بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع تركزت حول المقار العسكرية والمنشآت الحيوية، في حين هزت الانفجارات النوافذ والمباني في مناطق عديدة من الخرطوم التي أقفرت شوارعها تماماً وسط حالة من الهلع.

ووسط غموض حول الوضع الميداني الحقيقي، خرجت بيانات متضاربة من الطرفين حول أماكن سيطرتهما. ورفض الجيش في بيان الحوار قبل تفكيك ما أسماه ميليشيا حميدتي المتمردة، بينما قال مستشار دقلو إن القوات الموالية له متمسكة بهدفها باعتقال البرهان. وبينما تضاعفت الدعوات الدولية إلى وقف القتال، عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي أمس جلسة طارئة لمناقشة التطورات السياسية والأمنية، كما عُقد اجتماع عاجل لمجلس الجامعة العربية بدعوة من مصر والسعودية، في محاولتين لوقف الاقتتال.

إلى ذلك، ورداً على إشاعات عن شنها غارات في السودان، نفى مصدر مصري مطلع، لـ «الجريدة»، أي دور للقوات المسلحة المصرية هناك، معتبراً أن «محاولات الزج باسم مصر وجيشها في الصراع الدائر بالسودان لا أساس لها من الصحة، ولا تعبر إلا عن نفوس حاقدة تريد توريط مصر في الصراع».

وعرض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في اتصال مع نظيره في جنوب السودان سيلفاكير ميارديث التوسط لحل الأزمة.

جاء ذلك في حين عاشت الساحة المصرية مزيجاً من الغضب والترقب فور انتشار صور ومقاطع فيديو تبين اعتقال قوات الدعم السريع السودانية في قاعدة مروي الجوية شمال السودان، مساء أمس الأول السبت، جنوداً مصريين.

وفي تصريح رسمي، قال المتحدث العسكري المصري، مساء أمس الأول، إن القوات المصرية كانت موجودة في السودان لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيش السوداني، مؤكدا أن القوات المسلحة تتابع عن كثب الأحداث الجارية، وجارٍ التنسيق مع الجهات المعنية هناك لضمان تأمينها، وتهيب القوات المسلحة المصرية الحفاظ على أمن وسلامة هذه القوات.

وكان حميدتي، قال أمس الأول، في تصريح متلفز، إن الجنود المصريين في مكان آمن، وإنه مستعد لتسليمهم للحكومة المصرية، معتذراً عن بعض المشاهد التي اعتبر البعض أنها تضمنت إذلالاً للجنود.

في تفاصيل الخبر :

مع استمرار رفض الطرفين المتحاربين للحوار، عاش السودان أمس يوماً ثانياً من «حرب الجنرالين»، رئيس مجلس السيادة الحاكم قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الذي يقود «قوات الدعم السريع»، وشهدت العاصمة السودانية الخرطوم ومدناً أخرى معارك بكل أنواع الأسلحة الثقيلة بما في ذلك الطيران الحربي، بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، تركزت حول المقار العسكرية والمنشآت الحيوية، في حين هزت الانفجارات النوافذ والمباني في مناطق عديدة من الخرطوم التي أقفرت شوارعها تماما وسط حالة من الهلع.

Ad

ووسط غموض حول الوضع الميداني الحقيقي، خرجت بيانات متضاربة من الطرفين حول أماكن سيطرتهما، وشن الجيش السوداني ضربات جوية على معسكر لقوات الدعم السريع بالقرب من العاصمة، وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السيطرة والاستيلاء على كل قواعد ومقرات لقوات الدعم السريع، مضيفة أن حميدتي فر من منزله.

كما أعلن الجيش طرد من اسماهم المتمردين من أكبر قاعدة في كرري (جبل سركاب) شمال أم درمان، وبسط سيطرته على قواعد ومقرات قوات الدعم السريع في مدن بورتسودان، وكسلا، والقضارف، والدمازين، وكوستي، وكادوقلي، مؤكداً أنه يسيطر على الموقف تماماً، ومبشراً الشعب «بنصر قريب».

وشدد بيان للجيش على أنه «لا تفاوض ولا حوار قبل حل وتفتيت ميليشيا حميدتي المتمردة»، وطلب من الجنود المنتدبين لدى قوات الدعم السريع أن يحضروا لوحداته القريبة.

في المقابل، أعلنت قوات الدعم السريع تعرض عناصرها في بورتسودان لهجوم من طيران أجنبي، مشيرة إلى أنها «أسقطت طائرة سوخوي روعت المواطنين منذ الصباح، واستولت على برج القوات البحرية بالقيادة العامة، وإذ حذرت قوات الدعم السريع من التدخل الأجنبي، وأهابت الرأي العام الإقليمي والدولي وقف هذا العدوان، أكدت عدم وجود «أي اتصالات مع البرهان حتى الآن»، معلنة أنه «محاصر وعليه الاستسلام فقط».

وفي حين تمكنت المخابرات السودانية من تحرير اللواء الصادق سيد والعميد عثمان عوض الله المحتجزين، نفت قيادة الدعم السريع مقتل قائديها بشمال وغرب دارفور، وأكدت أنهما في «أتم الصحة والجاهزية ويشرفان بنفسيهما على معركة العزة والكرامة بالفاشر والجنينة».

وأعلن المستشار القانوني لقوات الدعم السريع السودانية محمد المختار النور إسقاط عدد من الطائرات المقاتلة في قاعدة كرري، مشيراً إلى أن المقاتلات لا يمكنها حسم المعركة لأنها تقصف من مسافة بعيدة.

وقال النور: «90% من مساحة الخرطوم تحت سيطرة قواتنا، وكامل مساحة دارفور وكردفان ومروي، وخطتنا هي السيطرة على كل مواقع الجيش»، مبينا أن «قوات الدعم السريع تملك دبابات، وهي تشارك الآن في المعارك الجارية».

وشدد على أن «حميدتي لا يزال يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وأنه لم يبدأ الحرب، لكنه يدافع عن نفسه ويقود القتال المستمر في كل المحاور وفق الخطة المجازة مسبقاً».

ادعاءات وخلافات

ومع احتدام القتال ادعى الطرفان، اللذان اشتركا في الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير عام 2019، سيطرتهما على منشآت حيوية أخرى في الخرطوم، منها القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش ومقر إقامة قائده ومقر التلفزيون الرسمي ومطارات في العاصمة ومدينة مروي وفي الفاشر وولاية غرب دارفور وسلاح المهندسين بأم درمان.

وأمرت الحكومة أمس بإغلاق المدارس والبنوك والمكاتب الحكومية، كما تم قطع التيار الكهربائي، وأوقفت خدمات الإنترنت، بحسب مسؤولين بشركة «إم تي إن» للاتصالات لساعات قبل أن تعلن إعادتها.

وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن 56 مدنياً على الأقل قتلوا وأصيب 600 منذ اندلاع المواجهات صباح أمس الأول السبت، دون أن تذكر عدداً محدداً من العسكريين بسبب قلة المعلومات المباشرة من العديد من المستشفيات التي نقل إليها هؤلاء الضحايا.

وحذرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء من صعوبة وصول المسعفين والمرضى من وإلى المستشفيات، مطالبة الجيش وقوات الدعم السريع بتوفير ممرات آمنة.

ودعا بيان لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لتغليب الحكمة ووقف المواجهات العسكرية فورا والعودة لطاولة التفاوض، مضيفا أن الخيار لحل القضايا العالقة هو معالجتها سلميا عبر الحلول السياسية.

حراك عربي وإفريقي

ودون ظهور بوادر للتهدئة، تضاعفت الدعوات إلى وقف القتال، من الأمم المتحدة إلى القاهرة والرياض وواشنطن وموسكو وباريس وروما وبكين والاتحاد الافريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي لكنها لم تُجدِ.

وفيما عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الافريقي أمس جلسة طارئة لمناقشة التطورات السياسية والأمنية، قال مندوب السودان بجامعة الدول العربية: «كل الوساطات الوطنية والإقليمية والدولية فشلت في إقناع قوات الدعم السريع المحلولة بالاندماج في الجيش الوطني، حسب نص الاتفاق الإطاري».

وأشار خلال الاجتماع العاجل لمجلس الجامعة بدعوة من مصر والسعودية إلى أن «القوات المسلحة حلت ميليشيا الدعم السريع، وأعلنت أنها قوة متمردة يتم التعامل معها على هذا الأساس»، موضحا أنه «كان لديها اجتماع مع البرهان وغدرت به وهاجمت مقره السكني الرئيسي في التاسعة صباح أمس السبت، وانتشرت بكثافة في المقار والمؤسسات الحكومية كالإذاعة والتلفزيون والقصر الجمهوري ومطار الخرطوم، معتمدة على عنصر المباغتة».

وأكمل: «لكن القوات المسلحة كانت لهم بالمرصاد وتصدت لهم، وتمكنت من السيطرة على الأوضاع وطرد القوات المعتدية، وتمكنت من إلحاق خسائر فادحة بالمتمردين، ولا تزال تمشط بعض المناطق والجبوب، علما أن أعدادا كبيرة من المتمردين هربوا للولايات المجاورة للخرطوم».

وفي كلمته، أكد مندوب مصر محمد مصطفى أن السودان يمثل العمق الاستراتيجي الطبيعي لمصر ومصلحتهما لا تفترق، معلنا التزام مصر بدعم واستقرار السودان ووحدة أراضيه، وعدم تدخل أطراف خارجية في شأنه الداخلي، وتأييدها المتواصل للشراكة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة الانتقالية وتسوية النقاط الخلافية ووضع الحلول السلمية واجبة التنفيذ للخروج من الأزمة الحالية وضمان عدم تكرارها.

مجلس الأمن

وطلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «وقفا فوريا للعنف»، في اتصالات أجراها مع البرهان وحميدتي، وكذلك مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ووسط جهود لإعادة الجنود المصريين المحتجزين في السودان، دعا السيسي ونظيره في جنوب السودان سلفا كير إلى وقف إطلاق النار بشكل فوري، وتغليب صوت الحكمة والحوار السلمي وإعلاء المصلحة العليا للشعب، وأعلنا استعدادهما للقيام بدور الوساطة لحل الأزمة بين الأطراف السودانية.

وأعرب مجلس الأمن عن قلقه العميق من الاشتباكات الجارية في السودان، والخسائر في الأرواح والجرحى، بما في ذلك بين المدنيين، وحث الطرفين على وقف القتال فورا، وإعادة الهدوء والعودة إلى الحوار والحفاظ على وصول المساعدات الإنسانية وضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة، وجدد التزامه القوي بوحدة وسيادة واستقلال السودان وسلامة أراضيه.

اتصال ثلاثي

من جهته، دعا وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى «استئناف المفاوضات»، وكتب في تغريدة: «الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تهدد أمن وسلامة المدنيين السودانيين». وفي وقت سابق، قال بلينكن إنه تشاور مع نظيريه السعودي والإماراتي، واتفقوا على ضرورة أن تنهي الأطراف في السودان أعمال القتال على الفور دون أي شروط مسبقة.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أنه بعد مكالمة هاتفية، دعا وزراء خارجية السعودية والولايات المتحدة والإمارات إلى العودة لاتفاق سياسي إطاري بين القوى السياسية المدنية والجيش.

وانضمت الصين إلى الدعوة لوقف إطلاق النار لتجنب تصعيد الموقف، معربة عن قلقها من التطورات، وآملة أن تعزز جميع الأطراف الاتصالات للدفع بصورة مشتركة عملية الانتقال السياسي.