يقول العديد من الاقتصاديين وواضعي السياسات إن أوروبا تعلمت دروسها بعد الأزمة المالية، وهي الآن في وضع قوي لتحمل المزيد من الضغوط في نظامها المصرفي.

وتأتي المناقشات على هامش منتدى «أمبروسيتي» في إيطاليا يومي الخميس والجمعة الماضيين، حيث كان الموضوع الأساسي للمؤتمر حول «احتمال حدوث مزيد من عدم الاستقرار في الأسواق المالية»، والناشئة عن المشاكل في القطاع المصرفي، لا سيما على خلفية تشديد الأوضاع المالية.

Ad

وأثار انهيار بنك «سيليكون فالي» الأميركي، والعديد من المقرضين الإقليميين الآخرين في أوائل مارس، مخاوف من انتشار العدوى، والتي عززها الإنقاذ الطارئ لبنك كريدي سويس من قبل منافسه السويسري «يو بي إس»، وفقا لما نقلته شبكة CNBC، واطلعت عليه «العربية.نت».

واتخذ صانعو السياسة على جانبي المحيط الأطلسي إجراءات حاسمة، وتعهدوا بمزيد من الدعم إذا لزم الأمر، بينما شهدت الأسواق شيئا من الانتعاش هذا الأسبوع.

من جانبه، قال الشريك الإداري والرئيس التنفيذي لشركة «The European House - Ambrosetti» فاليريو دي مولي، على هامش الحدث الخميس، إن «عدم اليقين والقلق» سيستمران في إزعاج الأسواق هذا العام، مضيفا: «العامل الأكثر إثارة للقلق هو عدم اليقين في الصناعة المصرفية، رغم كون أوروبا أقل تأثرا، خاصة أن أداء البنك المركزي الأوروبي كان جيدا بشكل لا يصدق، والمفوضية الأوروبية أيضاً»، ولفت إلى أن منطقة اليورو مستقرة وسليمة ومربحة.

واقترح ديمولي أن انهيار «SVB» سيكون على الأرجح «الأول من سلسلة» من حالات فشل البنوك. ومع ذلك، أكد أن «الدروس المستفادة على المستوى العالمي، وفي أوروبا على وجه الخصوص قد مكنت منطقة اليورو من تعزيز القوة المالية والاستقرار لنظامها المصرفي، مما يجعل تكرار الأزمة المالية لعام 2008 مستحيلا».

بدوره، ردد جورج باباكونستانتينو - الأستاذ وعميد معهد الجامعة الأوروبية ووزير المالية اليوناني السابق - بضرورة التركيز على «الدروس المستفادة» في أوروبا، والذي أعرب أيضا عن مخاوفه بشأن الولايات المتحدة. «لقد تعلمنا عن الحاجة إلى أن تعمل السياسة المالية والنقدية معا، وتعلمنا أنه يجب أن تكون متقدما على الأسواق وليس متأخرا بخمس ثوان، ودائما ما تعلمنا عن سرعة الاستجابة والحاجة إلى استجابة واسعة في بعض الأحيان»، مضيفا أن التطورات في «SVB»، و«كريدي سويس» ترجع إلى«الإخفاقات في إدارة المخاطر»، وفي حالة بنك سيليكون فالي، ترجع أيضاً إلى «إخفاقات السياسة بالولايات المتحدة».

واستشهد بشكل خاص برفع الرئيس السابق دونالد ترامب للحد الأدنى الذي يجب أن تخضع البنوك بموجبها لاختبارات الإجهاد من 50 مليار دولار إلى 250 مليارا. كان هذا التعديل على تشريع دود-فرانك بعد الأزمة يعني بشكل فعال أن المقرض الذي سقط لم يكن خاضعاً لمستوى من التدقيق ربما اكتشف مشاكله في وقت سابق، مشيراً إلى أن خطوة 2018 كانت جزءا من التراجع الواسع للقواعد المصرفية التي تم وضعها في أعقاب الأزمة.

وعلى الرغم من الإشادة بالتقدم المحرز في أوروبا، أكد باباكونستانتينو أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هناك ضعف أوسع في النظام المصرفي، لافتا إلى أنه لا يوجد مجال للرضا عن النفس من جانب صانعي السياسات والمنظمين، الذين وعد العديد منهم باستمرار اليقظة، وأضاف: «نحن في بيئة ترتفع بها أسعار الفائدة، وبالتالي تنخفض أسعار السندات، وبالتبعية من المحتمل جدا أن تجد البنوك نفسها في ثغرة، لأنها استثمرت في أدوات طويلة الأجل، وهذه مشكلة».

حرب على جبهتين

وذكرت وزيرة الاقتصاد الإسبانية نادية كالفينو، الجمعة، أن البنوك في إسبانيا تتمتع بقدرات ملاءة وسيولة أقوى من العديد من نظيراتها الأوروبية. ولا تعتقد بوجود أي بوادر للتوتر في السوق الإسباني، «بخلاف التقلبات العامة التي نراها في الأسواق المالية هذه الأيام»، مضيفة أن الوضع الآن «مختلف تماماً» عما كان عليه في الفترة التي سبقت أزمة الديون الأوروبية عام 2012.

وأشار جين فريدا، نائب الرئيس التنفيذي والمحلل الاستراتيجي العالمي في «بيمكو»، إلى أنه مما لا يحسد عليه، يجب أن تخوض البنوك المركزية «حرباً على جبهتين»، وأن تكافح في الوقت نفسه التضخم المرتفع وعدم الاستقرار في القطاع المالي.

وقال فريدا: «هناك الآن شيء ما يحدث خارج سيطرة بنك الاحتياطي الفدرالي في القطاع المصرفي، ولدينا جميعاً وجهات نظرنا فيما يتعلق بمدى سوء ذلك، لكن إحساسي هو أننا لا نواجه أزمة مصرفية، وسيكون هناك بعض التشديد في شروط الائتمان، وسوف يدفع بمزيد من الركود. إنها ليست نهاية العالم، لكنها بالتأكيد ليست محسوبة في سوق الأسهم».