من المنتظر أن يتوجّه الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع مجدداً بعد أسبوعَين، لكنهم سيواجهون خياراً شائكاً: إعادة الزعيم السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة مع شركائه في التحالف اليميني، بما في ذلك عدد من أشرس السياسيين المعادين للعرب، أو الحفاظ على الوضع الراهن بقيادة رئيس الوزراء الوسطي، يائير لبيد.

يستطيع المواطنون العرب في إسرائيل أن يؤثروا على نتيجة الانتخابات، لكن يتوقع المحللون أن يلازم جزء كبير منهم منزله في يوم الانتخاب، فقد أعلنت عضوة الكنيست، عايدة توما سليمان، من حزب «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، خلال حملتها الانتخابية في يافا، الأسبوع الماضي: «نسبة المشاركة ستُحدد مصير هذه المعركة ومدى قدرتنا على سنّ القوانين لتنفيذ برنامجنا».

يشكّل عرب إسرائيل أكثر من 20% من الشعب، وقد تحمّلوا مظاهر التمييز منذ تأسيس دولة إسرائيل، فقد كانت نسبة مشاركتهم تتغير من استحقاق انتخابي إلى آخر، فتعكس مشاعر الأمل والخيبة في آن داخل النظام الانتخابي الإسرائيلي.
Ad


صرّحت الطالبة نازك أبو رحيمة (19 عاماً) لصحيفة «فورين بوليسي»، خلال تجمّع في يافا، بأن عدداً من أصدقائها سيمتنع على الأرجح عن المشاركة في الانتخابات، رغم التهديد الذي يطرحه السياسي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، إذ تسعى لائحته العنصرية للتحول إلى ثالث أكبر كتلة في البرلمان، وهي تجمع بين حزب «العظمة اليهودية» وفصائل صهيونية متديّنة.

يدعو بن غفير إلى طرد من يسمّيهم العرب «الخونة»، بمن في ذلك أيمن عودة، رئيس حزب «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، وأحمد الطيبي، رئيس «الحركة العربية للتغيير»، وعوفر قسيس، السياسي اليهودي الذي ينتقد ممارسات الجيش بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

تقول أبو رحيمة إن مواطنيها «لا يتمتعون بالوعي السياسي الكافي لإدراك حقيقة التهديدات المطروحة وواجبات الأحزاب. هم يستنتجون أن وضعنا لن يتغير مطلقاً، لذا لا يعتبر هؤلاء تخصيص نصف ساعة للتصويت مسألة تستحق العناء». تتوقع أحدث استطلاعات الرأي أن يشارك نحو 40% من الناخبين العرب في الانتخابات، وهي نسبة منخفضة جداً في بلدٍ تبلغ فيه نسبة المشاركة الإجمالية 70% في معظم الاستحقاقات، فإذا كانت النسبة الحقيقية متدنية لهذه الدرجة في يوم الانتخاب، في 1 نوفمبر، يقول يوسف مقلدة، مدير شركة الاستطلاعات العربية «ستات نت» في شمال إسرائيل، إن الأحزاب العربية المرشّحة لعضوية البرلمان قد لا تحصد العتبة المطلوبة في هذه الحالة، لكنه يتوقع أن تتغير هذه التقديرات مع اقتراب يوم الانتخاب.

يوضح محمد خليلي، مسؤول في «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية»، أن الناخبين العرب يشعرون بالإحباط بشكلٍ أساسي لأن قادة الأحزاب العربية عجزوا عن وضع خلافاتهم جانباً لطرح لائحة موحّدة قبيل الانتخابات، وفي عام 2020، عندما تم الاتفاق على لائحة مشتركة من أربعة تكتلات، بلغت نسبة المشاركة حوالى 70%.

لكن تبرز أسباب مؤثرة أخرى، فعلى غرار جميع الإسرائيليين، سئم معظم المواطنين العرب من الانتخابات، فقد جرت خمسة استحقاقات مماثلة في السنوات الثلاث الماضية، حيث يشعر المواطنون العرب عموماً بأن الحكومة الراهنة، التي تشكّلت في السنة الماضية وشملت حزباً عربياً للمرة الأولى (راعم)، لم تُحدِث تغيرات بارزة، فهي لم تُخفف معدّل الجرائم التي تهز حياة العرب يومياً، ولم تعالج النقص في الأراضي والمنازل أو ارتفاع كلفة المعيشة. يضيف خليلي: «يقول الناس دوماً: كنا في المعارضة وفي الحكومة الائتلافية، ومع ذلك لم يتغير شيء»، لكنه يظن أن الرأي العام العربي بدأ يشعر بالقلق مؤخراً بسبب بن غفير.

بن غفير هو تلميذ الحاخام مئير كهانا المولود في الولايات المتحدة والمدافع الشرس عن طرد جميع العرب، حتى أنه اقترح تشريعات مشابهة لقوانين «نورمبرغ» لمنع اختلاط العرب مع اليهود، وحُكِم على بن غفير بالتحريض العنصري في عام 2007، ثم أصبح محامياً في المرحلة اللاحقة ودافع عن الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين الذين يهاجمون العرب أو يقتلونهم.

من الواضح أن بن غفير يؤيد استعمال العنف ضد العرب إذاً، فطوال سنوات، عرض هذا الأخير في منزله صورة المستوطن باروخ غولدشتاين، وهو تلميذ آخر للحاخام كهانا وكان قد قتل 29 فلسطينياً أثناء إقامة الصلوات في المساجد، في مدينة الخليل، في الضفة الغربية المحتلة عام 1994.

قبل فترة قصيرة من اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995، ألمح بن غفير عبر القنوات التلفزيونية إلى احتمال أن يعتدي عليه جسدياً مع أشخاص آخرين بعد إبرامه اتفاقيات سلام مع الفلسطينيين. لكنه ينكر الآن نيّته طرد جميع العرب، ويقول إنه يستهدف الخونة و«الإرهابيين» فقط.

يخضع نتنياهو اليوم للمحاكمة بتُهَم الفساد، وسيحتاج إلى دعم اليمين المتطرف حتماً لحصد الأغلبية في البرلمان بعد الانتخابات، فهذا الوضع يمنح بن غفير النفوذ الكافي للمطالبة بمناصب وسياسات معينة داخل الحكومة، فقد سبق أن عبّر بن غفير عن رغبته في إدارة الأمن الداخلي، بما في ذلك سلك الشرطة الوطنية.

ظهرت لمحة عما ينتظر الإسرائيليين والفلسطينيين في الأسبوع الماضي، حين سارع بن غفير إلى حي الشيخ جراح الفلسطيني الذي يحاول المستوطنون اليهود الاستيلاء عليه في القدس الشرقية، وبعد احتدام المواجهة، سحب بن غفير مسدساً وطلب من المحيطين به أن يطلقوا النار على أي عربي يرمي الحجارة، فصوّرت الكاميرات هذا المشهد. لكن قد تعطي تصرفاته الاستفزازية نتائج عكسية، لا سيما إذا تركّزت في القدس، تلك المدينة المقدسة للمسلمين واليهود على حد سواء، يقول خليلي إن عرب إسرائيل سيردّون على ما يحصل في صناديق الاقتراع: «بدأ الناس يقتنعون بأن التهديد القائم ليس خيالياً، بل إنه واقع ملموس».

في غضون ذلك، لا تقتصر الاستفزازات على معسكر اليمين المتطرف، وفي شهر مايو الماضي، حذّر يسرائيل كاتس، عضو بارز في حزب «الليكود» الذي يقوده نتنياهو، المواطنين العرب من مواجهة «نكبة» أخرى إذا رفعوا العلم الفلسطيني أو عرّفوا عن أنفسهم كفلسطينيين (يستعمل الفلسطينيون كلمة «نكبة» للإشارة إلى طرد أو هرب نحو 700 ألف فلسطيني من منازلهم عند تأسيس إسرائيل في عام 1948. كذلك، وجّه السياسي يوآف غالانت، من حزب «الليكود»، تهديداً مشابهاً من داخل الكنيست في الوقت نفسه تقريباً.

يظهر هذا النوع من المواقف بعد سنة على احتدام أعمال العنف التي هزت البلدات العربية اليهودية، فأضعفت الأمن وسط الفريقَين وساعدت اليمينيين على تصوير العرب كعدو الداخل. حتى أنها رسّخت المخاوف من نزعة بن غفير إلى نشر أفكار يمينية متطرفة سامة.

قد تحمل إسرائيل صفات ديموقراطية أكثر من دول الشرق الأوسط الأخرى، بما في ذلك حرية التعبير، والانتخابات الحرّة، وقدرة السلك القضائي على سجن رؤساء الحكومات، لكن تخترق العنصرية المعادية للعرب شرائح واسعة من الشعب، وفق نتائج الاستطلاعات.

يظن بعض الخبراء أن هذه الظاهرة هي جزء راسخ من النظام، فلا شيء يضمن التعامل بالتساوي مع العرب، وقد ذُكِرت مكانتهم الأدنى مستوى من اليهود رسمياً في تشريع «القانون الأساسي» الذي جرى تمريره في عهد نتنياهو منذ ثلاث سنوات.

تعليقاً على مواقف بن غفير السياسية، تقول غاليا غولان، أستاذة فخرية في العلوم السياسية في الجامعة العبرية، في القدس: «أظن أن الكثيرين في إسرائيل يدعمون هذا النوع من التطرف. لبيد شخص محترم، لكن انتقل الرأي العام في إسرائيل إلى دعم اليمين»، ومع ذلك يظن بعض اليهود والعرب حتى الآن أن الأوان لم يفت على التحرك، إذا بلغت نسبة مشاركة عرب إسرائيل 50%، يتوقع خليلي أن تتلاشى فرص نتنياهو وبن غفير.

وزّعت جماعة ناشطة تُعرَف باسم «نقف معاً» منشورات على 3500 شخص كانوا يحضرون مباراة كرة قدم في مدينة سخنين، في الجليل، لتشجيع عرب إسرائيل على التصويت.

يقول سهيل دياب، أحد مديري الجماعة ورئيس بلدية الناصرة سابقاً: «رسالتنا هي التالية: إذا شاركنا في المباراة، يمكننا أن نفوز في الملعب وفي الكنيست».

لكن يظن خليلي أن لبيد شخصياً يجب أن يضطلع بدور معيّن لرفع نسبة المشاركة بدرجة كافية: «يجب أن يتواصل مع الناخبين العرب بدل أن يتجاهلهم. يمكنه أن يقول لهم: لا تصوّتوا لي، صوّتوا لممثّليكم وامنعوا هؤلاء المجانين من تشكيل حكومة». يُفترض أن يقصد الناصرة ويقوم بهذا النوع من التصريحات.

* بين لينفيلد