في البداية أود أن أبين رأيي الشخصي في حكم الدستورية مع أنه، أي رأيي، ليس هو السبب الأساسي في هذا المقال لأن كثيراً من المتخصصين أبدوا رأيهم، وأشبعوا الموضوع ما بين مؤيد ومعارض، وإنما أحببت اليوم الدفاع ضد الهجوم الإعلامي واللا أخلاقي الذي تعرضت له المحكمة الدستورية حتى وصل إلى الطعن في الذمة والاتهام والتحريض.

في البداية هناك من طعن في المحكمة على أساس أن الحل جاء بمرسوم أميري، وأن على المحكمة ألا تتعرض لسلطة الأمير، وفات هؤلاء أن الدستور حدد الأمر الأميري بثلاثة أوامر لا رابع لها، وهي التي لا يجوز الطعن أو الاعتراض عليها وهي:

Ad

1- تعيين ولي العهد بعد مبايعة مجلس الأمة.

2- تعيين رئيس الوزراء وإعفاؤه.

3- تعيين نائب عن الأمير في حال سفره.

وفي غير هذه الأمور تحل المراسيم الأميرية محل الأوامر الأميرية، ويمارس الأمير سلطاته بواسطة وزرائه، أي من خلال مجلس الوزراء، لذلك فإن أي خطأ في المرسوم إنما يعود على مجلس الوزراء لا على سلطة الأمير.

وليس يخفى أن المراسيم يمكن مناقشتها والطعن في دستوريتها أمام المحكمة الدستورية، كما جاء في طعن المجلس المبطل الأول، وأيضاً الطعن الأخير الذي قدمة د. نواف الياسين وكيلاً عن بعض المرشحين، فليس صحيحاً ما يشاع إن المرسوم الأخير لم يقدم فيه طعن أمام المحكمة الدستورية، كما لا يخفى أن المجالس التي شاركت فيها شخصياً ألغت بعض مراسيم الضرورة، وهي التي يصدرها الأمير في حالة حل مجلس الأمة، ويكون لها قوة القانون المادة (71) من الدستور، مثل المرسوم بالقانون الخاص بترشيح النساء، والمرسوم بالقانون الخاص بخصخصة الاتصالات المنزلية، بالإضافة إلى المراسيم ببعض التعيينات والترقيات الحكومية التي ألغتها المحكمة الإدارية، وكل هذه القرارات والأحكام لم تتعرض إلى سلطة سمو الأمير.

إذاً فالمراسيم تقبل الطعن والإلغاء بسبب أي خطأ يتحمله مجلس الوزراء ودون أي مساس بسلطة صاحب السمو الأمير، خلافاً لما يزعمه المحرضون، وجاءت المادة (107) من الدستور لتضع ثلاثة شروط لحل المجلس:

1- أن يصدر بمرسوم.

2- أن يوضح المرسوم السبب.

3- ألا يكون السبب مكرراً.

وقد أبطلت المحكمة الدستورية المجلس المبطل الأول بناء على الشرط الأول رغم صدور المرسوم لأنه صدر من حكومة مستقيلة لا تملك إصدار مرسوم حل مجلس الأمة، وقد لقي هذا الإبطال الموافقة والتأييد من كل الفقهاء الدستوريين الذين أعرفهم، ولم يقل أحد إن المرسوم صدر من الأمير، فلا يجوز لأحد أن يعترض عليه.

وكذلك صدر حكم الإبطال الحالي بناء على السبب الثاني، حيث إن رئيس الوزراء والحكومة لم يحضروا أي جلسة من جلسات مجلس الأمة، أما السبب الذي ذكر في المرسوم فقد كان جزءاً من خطاب ولي العهد قبل تعيين رئيس الوزراء بشهور، ولم يكن سبباً ناتجاً عن حضور وعلاقة رئيس الوزراء الجديد مع مجلس الأمة، وعلى سبيل المثال هل يجوز استخدام كلام قيل من بعض الأعضاء في فصول تشريعية سابقة من أجل حل المجلس الحالي؟! أي أن المحكمة لم تعتبر أن ما جاء في المرسوم سبباً حسب الدستور مع اتفاقنا أن المحكمة لا تنظر في حيثيات السبب، ولكن السبب لا بد أن يكون موجوداً.

ولا شك أن هذا الحكم هو من صالح المجالس القادمة، حيث يضمن أن يكون مرسوم الحل صادراً من حكومة قائمة ونابعاً من علاقة واجتماع بالمجلس القائم، وبالتالي هو حماية للمجالس وانتصارٌ للدستور.

وخلاصة رأيي أن هذا الحكم منطقي ومبرر ولا بأس من انتقاده بشكل علمي رزين، أما السباب والطعن والاتهام والتحريض فهي مخالفة للشرع والدستور، ومن المؤسف أن من صوروا أنفسهم اليوم بأنهم المدافعون عن قرارات الأمير هم أنفسهم الذين طعنوا في الأوامر الأميرية الخاصة بتعيين رئيس الوزراء في المجلس الماضي (2020) وقدموا استجوابات للشيخ صباح الخالد رئيس الوزراء قبل أن يبدأ عمله، رغم أن تعيينه من الأوامر التي لا يجوز الاعتراض عليها، كما هددوا الوزراء إذا هم شاركوا في الحكومة رغم صراحة نص المذكرة التفسيرية للدستور مادة (57) أن الأمير «يشكل الحكومة على النحو الذي يرتئيه»، وبالتالي فالحكومة الجديدة تأخذ الثقة من الأمير لا من المجلس، ولا يجوز محاسبتها قبل أن تعمل بالوقائع والأعمال، وهذا من الأمور المجمع عليها في الدستور، وهكذا تجاهلوا الأوامر الأميرية وحاربوها بالأمس وزعموا أنهم يدافعون عنها اليوم!!

ورفضي للطعن والاتهام والتحريض والسخرية ينطبق أيضاً على ما تعرض له الرئيس السعدون في وسائل الاتصال التي لم تراع دوره وسابقته واجتهاده رغم الاختلاف معه.

وأخيراً لقد ابتليت الكويت في السنوات الأخيرة بأنماط سيئة من الخصومة شوهت الحياة السياسية التي تميزت في الماضي بالرزانة والحصافة والاحترام، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».