إذا خرجت تنتظرك زحمة المرور في كل مكان وفي كل الأوقات، شباب يقودون سياراتهم بجنون وكأنهم يملكون الشوارع، غياب أخلاق وغياب قانون، لا جدوى من هذا الكلام، عُد إلى بيتك محبطاً، ماذا تجد؟!

في المنزل لا تجد غير حياة نمطية بكل ثقلها، تشكو لشريك عمرك الزمان وغياب البهجة، فلا تلقى رداً غير عبارة «قل الحمد لله... نحن أفضل من غيرنا»، وتجيب: لا اعتراض، ولكن السأم قاتل... جواب مكرّر معتاد في عالم يرزح بقيود النمطية وعدم الاكتراث للوجود، هذا هو الملل.

Ad

في كتابه «فلسفة الملل»، يرى لارس سنفندنسن أن الملل من الطبيعة الإنسانية، وهو اليوم وليد ظاهرة الحداثة وأحد أمراضها المزمنة، ويستشهد بفلاسفة وأدباء كثيرين.

الأديب البرتغالي فرناندو بيسوا يرى الملل كالغبار يلج صدورنا، ولا نشعر به ويأتي ويروح. كيركجارد تحدّث عن الملل بأنه أصل الشرور.

الملل عند فرويد يتقاطع مع الاكتئاب الحاد والحزن، وهو يسبب إدمان المخدرات والخمور والتدخين والسكّريات والأكل بشراهة، والأرق المزمن، احسب عدد الخرفان التي تقفز من فوقك حتى رقم المليون... لن تنام.

الملل عند الكاتب ليس حالة عقلية فقط، بل من طبائع هذا العالم الذي نحيا به، فنحن جزء منه ونتجرع نتاجه دائماً. الروائي توماس مان في رواية «الجبل المسحور» يقول على لسان هانس غاستريب: نحن نقتل الزمن ونثقل أنفسنا حتى الموت.

لارس سنفندنسن لم يتعرّض في كتابه السابق لزيادة السأم لدى الإنسان كلما امتد به العمر، فمع كل خصلة شيب تنمو في شعرك ومع كل انحناءة جلد تخط في جسدك المترهل يزيد حملك من ثقل الملل واللاجدوى وعدمية الحياة في النهاية، وتحدّث نفسك عن «أيامنا الحلوة»، بعد أن رحلت، وتردد موسوساً قلقاً في ذاتك: ذهب زمن الشباب بلا عودة، والطريق للمستشفيات ومقبرة الصليبيخات أصبح سالكاً.

أيضاً لم يتحدث المؤلف عن حقيقة الوضع الطبقي وعلاقته مع السأم، فالعامل الذي يشقى لقوت يومه قد لا يشعر بثقل الملل كما يشعر به أهل الطبقة الوسطى، على الجهة المقابلة، كيف يداوي أصحاب الملايين مللهم؟ يذهبون برحلة خاصة في سفينة فضاء، يشترون يخوتاً وطائرات خاصة.

آخر الكلام... لم يكن لارس سنفندنسن متابعاً للحياة الاجتماعية - السياسية بالكويت، ولا يعلم، مثلاً، عن صحفنا وصفحاتها الاجتماعية ونمطية الحياة عندنا، لو كان على دراية بها لكتب «انسكلوبيديا» رائعة عن السأم في «هذه الكويت صلّ على النبي».