قامت أم كلثوم ببطولة ستة أفلام غنائية، منها "وداد” (1936)، سيناريو أحمد بدرخان وإخراج الألماني فريتز كرامب، وشارك في التمثيل أحمد علام ومحمود المليجي وكوكا، وكان أول فيلم مصري يشارك في مهرجان سينمائي (مهرجان البندقية بإيطاليا)، وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيرًا.

ملصق دعائي لإحدى حفلاتها عام 1970

Ad

وتوقف نشاطها السينمائي بعد فيلم "فاطمة” (1947)، لإصابتها بمتاعب صحية، واضطرت لارتداء نظّارة سوداء لإخفاء جحوظ عينيها، بسبب مرض الغدة الدرقية، وفي عام 1954 خفّضت عدد حفلاتها بعد تحذير الأطباء من تأثر حنجرتها، واكتفت بتقديم حفلتها الشهرية.

القصة الحقيقية

تناولت أقلام كثيرة قصة أم كلثوم، واسمها الحقيقي فاطمة بنت الشيخ المؤذن إبراهيم السيد البلتاجي، والمولودة بقرية "طماي الزهايرة” بمحافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، في 31 ديسمبر 1898، وحسب الأوراق الرسمية 4 مايو 1908، وتضاربت الحكايات حول نشأتها، ودخولها عالم الغناء، حتى أصبحت أبرز مطربة في القرن العشرين.

وحسمت أم كلثوم الجدل، حين كتبت مقالاً بعنوان "قصتي الحقيقية” نشرته مجلة "آخر ساعة” عام 1948، حين كان عمرها وقتذاك 50 عامًا، وفيه كشفت قصة بدايتها مع الفن والطرب، وعمرها ثماني سنوات، وكان ذلك عند مأذون قرية "مطاي”، وغنت يومها "أقول لذات حُسنٍ ودعتني... بنار الوجد طول الدهر آه”، ورفض والدها أن تتقاضي ابنته أجرًا، ولاقت استحسان المدعوين من أهل القرية، وبهرهم صوتها الشجي.

سر سعادتها بلقب «ميسز حفناوي»
كشف الدكتور محمد حسن الحفناوي، أستاذ الأمراض الجلدية وابن زوج الفنانة الراحلة أم كلثوم، أسراراً من حياتها، من بينها علاقتها بأمه، وأنها كانت "بيتوتية”، أي تحب البيت، وتعشق المطبخ ولا تفضل الخروج كثيراً للزيارات، والاتصال الهاتفي كان كافياً للتواصل مع الآخرين. وكان محمد الأكثر قرباً من بين أشقائه لأم كلثوم: "كان بيني وبينها حالة عشق، وموجة خاصة، كانت تأخدني معها لنتمشى، وكانت تحب المشي كثيرًا، ساعة أو ساعتين، وكنت أتعلم منها، وتعلمت كلمة وطن منها... كانت مريضة بحب مصر”. وكانت بداية تعارفها بأبيه عن طريق عيادته، بجانب أنه كان يحضر حفلاتها، وكانت أسعد لحظاتها عندما تكون في مؤتمر مع والده، وينادونها "ميسز حفناوي”، وهنا تشعر أنها زوجة وفخورة بزوجها.

وسرد تفاصيل علاقة كوكب الشرق بوالدته، قائلا إن أمه كانت تحب الاستماع لأغنياتها، وفي بداية زواج أم كلثوم من أبيه كانت هناك مشاعر غيرة بينهما، وهذه طبيعة بشرية، لكن بعد ذلك تمكنتا من ضبط العلاقة بينهما. وأضاف: "من حسن حظي أن أصبح لي أمَّين”.

وفي اليوم التالي، دُعيتْ إلى فرح خفيرٍ نظامي في عزبة "الحوال” بقرب قريتهم، وغنت هناك حتى الصباح، وفي تلك الليلة تقاضت أول أجر في حياتها، وكان عشرة قروش، ولم يكن هذا نصيبها وحدها، وإنما كان أُجرة الفرقة المكوَّنة من والدها وأخيها خالد، وذاع صيتها في القرية.

وبعد ذلك بخمسة أيام، أقام الحاج يوسف تاجر الغلال في مدينة "السنبلاوين” ليلة ودعاهم لإحيائها. وظلت تغني من التاسعة مساءً إلى الثانية صباحًا دون انقطاع، وشعرت بسعادة بالغة، عندما دس صاحب الفرح يده في جيبه وأعطاهم خمسة وعشرين قرشًا، وكان في ذلك الوقت أجراً ضخمًا، واعتبروا أنفسهم بهذا المبلغ من الأثرياء.

طريق الاحتراف

وعرفت المطربة الصغيرة طريق الاحتراف، حين فكر حسن أفندي حلمي، التاجر بمحطة أبوالشقوق، في إقامة "ليلة” يكون الدخول فيها بتذاكر. وكان ثمن التذكرة خمسة قروش للدرجة الأولى وثلاثة للدرجة الثانية، ومجاناً في الدرجة الثالثة، أي يقف المتفرج من وراء "الخيمة”.

صورة نادرة لها

ونجحت الليلة نجاحاً هائلًا، وحضرها متفرجون من البلاد المجاورة، وكان بين هؤلاء بعض أهالي مدينة المنصورة، فأقبلوا يهنئون المطربة الموهوبة. ولم تعرف مدى نجاحها، إلا عندما أعطاهم صاحب الليلة جنيهاً ونصف جنيه، ويومها نظرت إلى الجنيه في دهشة، فقد كان أول مرة تراه في حياتها!

وتتابعت الحفلات، ودعاهم عبدالمطلب أفندي، الموظف بدائرة الشناوي باشا في الأسبوع التالي لإقامة فرح أخيه في "كفر برماص” بأجر قدره جنيه ونصف في الليلة بما في ذلك مصاريف الانتقال.

ووصفت أم كلثوم تلك الفترة بقولها: "بدأت أشعر أنني انتقلت من مطربة محلية إلى مطربة عالمية، فقد دُعيت بعد ذلك للغناء في مركز أجا، ثم وجدت نفسي أتنقل من مديرية الدقهلية إلى مديرية الشرقية فغنيت في كفر صقر، وفي سنة 1915 كنت أركب حماراً ويسير أبي وأخي على أقدامهما. وفي سنة 1916 زاد إيرادنا، فكنا نركب نحن الثلاثة حميرا، ومن الطريف أن أهل الفرح كانوا يحضرون لنا الحمير لنذهب إلى الفرح وبعد انتهائه، يتركوننا نعود إلى بيتنا مشياً على الأقدام”!

المطربة والكمساري

وظلت أم كلثوم حتى عام 1919، تركب الدرجة الثالثة في قطار السكة الحديد، وفي نفس العام ارتفع أجرها بارتفاع أسعار القطن، فوصل إلى ثمانية جنيهات، ثم قفز إلى عشرة جنيهات.

وكانت تجلس في الدرجة الثانية مع والدها وأخيها والفرقة الموسقية، وذات مرة تعرف عليها الكمساري، وطلب منها أن تغني، وفي المقابل يسمح ببقائهم في الدرجة الثانية بتذاكر الدرجة الثالثة، وظلت تغني لهذا الكمساري طول الطريق، ولا تتوقف إلا في المحطات.

تلغراف الباشا

وكان منزل "حمزة” بالمحلة الكبرى، أول بيت أرستقراطي تدخله أم كلثوم، وتلقى والدها دعوة بالتلغراف من نعمان الأعصر باشا عمدة المحلة، وكان أول تلغراف تلقته في حياتها، وأرسلوا خطاباً بالقبول، وبعد انتهاء الحفل، أعطاها الباشا ثلاثة جنيهات فقط، سلمّها إياها في كوفية من الحرير. ولم يكن هذا المبلغ قليلا، ولكنها تقاضت أكثر منه في حفلات أخرى.

وفي تلك الليلة رآها الشيخ أبوالعلا محمد لأول مرة، وأصبح أستاذها. وتغيَّر مجرى حياتها، وسافرت معه إلى القاهرة، وتتلمذتْ عليه، ولحّن لها أغنيات كثيرة، منها "الصب تفضحه عيونه”، كلمات الشاعر أحمد رامي، والذي بدوره لعب دوراً مؤثراً في حياتها.

أماني الحياة

وكان أول شيء فكر فيه الشيخ البلتاجي، بعد أن تحسنت أحوالهم المالية، الاهتمام بطعام ابنته أم كلثوم، وقد سمِع أن البيض يحسِّن الصوت، فكان يجعلها تتناول خمس بيضات يوميًا، وتبين فيما بعد أن البيض الكثير يتلف المرارة، ونتج عن هذا أن الأطباء منعوها لاحقاً من أكله، وفي كثير من الأحيان شعرت أن من أعظم أماني حياتها أن تأكل بيضة واحدة!

زيجات وأسرار

اعتادت أم كلثوم أن تحيط حياتها الخاصة بسياج حديدي، ما جعلها في مواجهة مع الشائعات والحكايات المنافية للحقيقة، وبلغ الأمر حد الإساءة والتطاول على أحد رموز الفن العربي، وزعم البعض أنها ارتبطت بعلاقات حب متعددة، وتبين أنها محض أكاذيب، والحقيقة أنها كرّست حياتها للغناء، وسمت بشدوها فوق الوشايات.

وكان الرجل الأول في حياة "كوكب الشرق”، هو الشيخ عبدالرحيم، أحد أصدقاء والدها، الذي تزوج منها بشكل صوري، حتى تتمكن من السفر لإحياء أربع حفلات في العراق، ووقتها كان القانون يمنع سفر الفنانات غير المتزوجات للخارج، واضطرت لتلك الحيلة لتتمكن من السفر، واستمرت هذه الزيجة ثلاثة أسابيع وهي الفترة التي قضتها أم كلثوم خارج مصر.

وتناثرت روايات مفادها أن الشاعر أحمد رامي، وقع في غرامها من أول لقاء، واتخذ على عاتقه مهمة كتابة ما يشعر به في أشعار تجسدها بصوتها، لكنها لم تستجب لحبه، فاضطر للزواج من إحدى قريباته، على أن يظل قلبه عاشقاً لأم كلثوم. وعندما سُئلت عن حب رامي لها، قالت: "أعلم أن رامي يعشقني، وكتب فيّ من القصائد ما لم يكتبه شاعر قديم في حبيبته، لكني إذا تزوجته فستنطفئ نيران الشعر في أعماقه”.

واكتمل أشهر ثنائي فني في حياة كوكب الشرق، بتعاونها مع الموسيقار محمد القصبجي، الذي جسّد حبه لها في ألحانه، وفي موافقته على الجلوس خلفها في حفلاتها وفي يده العود، والحقيقة أنه ارتضى أن يعيش صامتاً في حبه ولا يرغب إلا في البقاء بجانبها، فهو لم يتحمل فراقها رغم رفضها عدداً من ألحانه.

وتناثرت أقاويل أن شريف صبري باشا، شقيق الملكة نازلي، وقع أسير حبها، وحاول الزواج منها لكن عائلته رفضت هذه الزيجة بشدة، ما جعله يتراجع عن قراره ويبتعد، إلا أن حبه لها جعله يعود مجدداً ليطلب منها الزواج ولكن بشكل سري، وهو ما رفضته أم كلثوم.

وكان أول رجل يخفق له قلب "سومة” هو طبيب الأسنان والملحن أحمد صبري النجريدي، الذي لحّن لها من كلمات رامي "خايف يكون حبك” و”الفل والياسمين والورد”، وعندما تأكد من مشاعرها نحوه، طلب الزواج منها، لكن والدها رفض طلبه، وهنا شعر النجريدي بالإهانة فانسحب من حياتها.

وفي منتصف الأربعينيات، نشأت قصة حب بين أم كلثوم والملحن محمود الشريف، وكللت بالزواج لكنه لم يستمر سوى أسابيع قليلة، حيث طلبت أم كلثوم الطلاق منه بعدما فوجئت بأنه لا يزال محتفظًا بزوجته الأولى، وتعثر تعاونها الفني مع ملحن يمتلك موهبة كبيرة، وقدّم عشرات الألحان الناجحة لمطربي ذلك العصر.

وتردد اسم الكاتب الصحافي مصطفى أمين الذي توطدت صداقتها به، بينما أكدت عميدة معهد الموسيقى العربية سابقًا، رتيبة الحفني، زواجهما بعقدٍ عرفي، لمدة 11 عاما، وبعد القبض على مصطفى أمين في قضية شهيرة في حقبة الستينيات وتفتيش مكتبه في صحيفة "أخبار اليوم”، عُثِر على عقد الزواج بجانب خطابات غرامية من أم كلثوم، ضمن أوراقه التي صُودرت من المكتب.

وكان الرجل الثامن والأخير، الدكتور حسن الحفناوي، الذي تزوجت منه بشكل مفاجئ، وكان طبيبها الخاص، واستمر زواجهما حتى رحلت كوكب الشرق، وودعها الملايين من عشاق فنها الراقي.

خلاف مع العندليب بحضور عبدالناصر

عبدالحليم حافظ يقبل يدها
تصافح الرئيس جمال عبدالناصر

جمع مشهد نادر بين أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وظهر فيه الأخير وهو يقبل يدها، لتثير الصورة تساؤلات الكثيرين في بداية السبعينيات، ويعود السبب إلى محاولة العندليب مصالحة كوكب الشرق بعد أن وقع خلاف بينهما في إحدى الحفلات المقامة عام 1964، بمناسبة ذكرى ثورة يوليو 1952 بحضور الرئيس جمال عبدالناصر.

وكان برنامج الحفل يقتضي أن يغني عبدالحليم بعد وصلة أم كلثوم، إلا أنها أطالت في وصلتها إلى وقت متأخر من الليل، وحين صعد على المسرح قال: "إن أم كلثوم وعبدالوهاب أصرا أن أغنى في هذا الموعد، ولا أعرف إن كان هذا شرفًا لي أم (مقلب)”، ما أغضب أم كلثوم.

وسعى عبدالحليم للتصالح معها، لكنها ظلت ترفض الوساطات بشكل حاسم، إلا أنه التقى مصادفة بها في إحدى المناسبات، وعندما دخل الحفل اقترب منها وقبل يدها، فقالت له: "أنت عقلت ولّا لسه؟!” وهكذا انتهت قصة الخلاف بينهما، بعد مقاطعة دامت حوالي ثماني سنوات.