كيف أنتم مع العتمة؟ بعضنا ينطقها ظلمة أو ظلاما حسب البلد أو المنطقة، لكن السؤال نفسه وتتبعه أسئلة ومن غير إنترنت أحيانا ولا ماء؟ نعم يأتي الماء بعد النت في الأهمية لدى الكثيرين من مدمني التجول المستمر في زوايا الفضاء المفتوح على مصراعيه، والمشرع أذرتعه في مشهد يوحي لوهلة أننا منفتحون على الكون بكل حرياته واحترامه لكثير من القيم والمبادئ والحقوق، لكنه وهم آخر كما كل الأوهام الأخرى التي كبرنا عليها أو ربما تعلمناها مع تقدم العمر أو تأخره!!

المثير أن السؤال عن بيروت أو لبنان وانقطاع الكهرباء بل تدهور الحياة ككل فيها هو الأكثر تكراراً بين كل العرب، ربما لمحبة خاصة لهذا البلد، أو هي لكثرة ما يرون ويسمعون عبر نشرات الأخبار التي لا تحمل إلا مزيداً من الانحدار سواء على مستوى المعيشة أو سعر صرف الدولار الذي يتغير أحيانا في اليوم الواحد أكثر من مرة، أو هي عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق حول رئيس للجمهورية، سواء داخليا أو خارجيا، أو هو أخبار حول اقتحام المودعين الغاضبين لأحد فروع البنوك، أو ربما انعدام الأدوية الضرورية في الصيدليات، أو وجودها بأسعار خيالية، كلها تثير لدى العديد من العرب الذين لطالما كانت بيروت بالنسبة إليهم مدينة النور ومنارة للثقافة والعلم.

Ad

كيف هي بيروت دون كهرباء؟ والإجابه لا تأتي على شكل كلمة، بل هي ككل شيء في تفاصيل هذا البلد بحاجه إلى تفسير طويل حتى يستطيع أي إنسان عادي أن يستوعب.

مؤخراً توصل البعض إلى الاستعانة في الإجابة عن هذه الأسئلة وتوابعها عبر المرور على يوم أو أسبوع من الحياة في بيروت، مثل أنه يبدأ بلقاء حول التراث اللا مكتوب في المنطقة العربية في متحف سرسق وبعده منتدى حول حق المرأة في منح الجنسية لأبنائها، وهو أحد أكثر البرامج والأنشطة في الجامعة الأميركية ومساء في الجامعة نفسها وفي مبنى الوست هول تعرض المخرجة اللبنانية- الفلسطينية كارول منصور فيلمها «عايدة عائدة»، وهو فيلم تسجيلي عن كيفية قيام كارول بإعادة والدتها لتنثرها في يافا التي هجرت منها في عام 1948.

ولا ينتهي الأسبوع هنا، فلايزال هناك المزيد فيما تسمع من بعض الصديقات المهتمات بالمطاعم والمقاهي الجديدة بأن هناك صعوبة في العثور على طاولة للعشاء في ذاك المطعم الجديد، وقائمة الانتظار تطول، ألم يؤكد ذاك اللبناني المخضرم أن هناك أكثر من لبنان في البلد نفسه؟! فحيث تبحث بعض النسوة في القمامة مساء في حماية العتمة من فضائح نشر المستور، هناك آخرون، حتى لو كانوا قلة، ما زالوا يدمنون الاستهلاك المفرط في الغلاء في اللبس والسكن والأكل والشراب.

يستمر الأسبوع لتختمه رائدة طه في مسرح المدينة بعرض مسرحيتها الرائعة ككل أعمالها السابقة «شجرة التين»، حيث تروي كما كتبت عنها جريدة «الأخبار» اللبنانية، «معاناتها مع الفقد والحرمان والاغتراب في دول الشتات، واصفة البحث عن الجذور في مدينة القدس المحتلة».

في حين يستمر مهرجان فندق البستان في عروضه الموسيقية المتنوعة تغني أميمه الخليل وزياد الأحمد في الرابطة الثقافية بمدينة طرابلس، حيث يذهب ريع الحفل للعائلات التي تضررت من الزلزال، وهناك كثير في «بدارو» وتتحول الجميزا التي لاتزال ترمم جراحاتها منذ انفجار الميناء في 2020، الى ما يعرف بـ«الارت هب» أو مساحة للمعارض الفنية، حيث زحفت كثير من «الغالريات» الفنية، وافتتحت مساحات جديدة لعرض اللوحات ومعارض الصور الفوتوغرافية والمنحوتات... الجميزا تشهد محاولة لإعادة الحياة من جديد عبر الفن وكثير من المقاهي والمطاعم والبارات.

أما الأدراج المتعددة التي تربطها بـ«سرسق» في الأعلى فهذه بمجملها أصبحت مساحات للفن والغناء والموسيقى والغرافيتي الذي يزين جدرانها المتشققة، إما بفعل الزمن أو الانفجار أو حتى بقايا لحروب ومعارك كانت هنا وهناك او مرت من هنا وهناك

هذه بضع إجابة لسؤال مكرر ربما يستطيع أن ينقل صورة لا تنقلها نشرات أخبار المحطات اللبنانية الملوثة مثلها مثل كل الأجواء السياسية العامة في هذا البلد، والباحثة عن كثير من الإثارة وقليل من الحب لبلد بقي طويلا منارة لكثيرين منا نحن العرب ولا يزال... بيروت منورة بأهلها وبكم.

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.