يأتي الإعلان عن الاتفاق السعودي ـ الإيراني بوساطة صينية مؤخراً ليطرح العديد من التساؤلات، والقليل من الإجابات. إلا أن المؤكد أن السعودية وإيران أدركتا، منذ سنوات، أن استمرار الوضع على ما هو عليه، إنما يصب في إضعاف أمنهما المباشر، لذلك انخرطتا، دون ضغط من أحد، في مفاوضات مباشرة منذ يناير 2021، في العراق وعمان، ومساعٍ أخرى من باكستان والكويت. خلالها وكمؤشر، أعادت الإمارات والكويت سفيريهما لطهران، وبالتالي لم تكن هناك مفاجآت إلا ربما في التوقيت، والوسيط الصيني، فالدافع لأي تفاوض لحل النزاع بين طرفين لا يتحقق إلا برغبة مشتركة، والتوتر بين البلدين مضت عليه عقود، مما أسس لبنى تحتية متحاربة، تحتاج إلى الكثير من الجهد لتفكيك ملفاتها الساخنة والصعبة، مع انعدام الثقة، ووجود أطراف أخرى معنية باستمرار الخلاف. أما أميركا، ومع أنها تبدو كأنها معزولة، فإنها ليست متضررة بالشكل الذي يتم تصويره، فالمنظومة الأمنية الخليجية أميركية، ولا يوجد مؤشر لتغييرها، كما أنه لم تكن لديها إمكانية للوساطة، بسبب علاقتها العدائية مع إيران، وفي الغالب ستكون مستفيدة من الاتفاق في حال تنفيذه، على الرغم من توتر علاقاتها مع الصين.

أما بالنسبة للصين فقد اعتادت الحرص على العلاقة بين الأضداد، دون التدخل لحل الإشكاليات، كما حدث خلال زيارة الرئيس الصيني للمنطقة في 2016، بعد القطيعة بين البلدين دون التعرض للخلاف المستعر.

Ad

إلا أن بوادر التغيير برزت في المذكرة التي قدمتها الصين لمجلس الأمن في أكتوبر 2020، بالدعوة لتشكيل قوة متعددة الأطراف لتجعل من الخليج «واحة أمان». كما تنظر الصين للسعودية وإيران كمحورين رئيسيين لأي منظومة أمنية في المنطقة، فمنحتهما صفة «الشريك الاستراتيجي الشامل»، وبالتالي فإن التوسط بين السعودية وإيران يأتي بما يشبه إعادة التموضع لسياستها الخارجية، بعد «مبادرة الأمن الكونية»، التي كانت الصين قد أطلقتها سابقاً.

وقد اختارت ملفاً مهماً ومفيداً لها، كما أنه مفيد ومهم للطرفين، وهو العلاقات السعودية الإيرانية، كانا قد أشبعاه بحثاً على مدى سنوات، لتدشن فيه إحدى أدوات قوتها الناعمة.

إلا أن ذلك لا يعني أن الصين ستكون ضامناً للاتفاق، كما يتردد، إلا بقدر ما تتيحه لها أدواتها المتوفرة، فليس لديها في المنطقة إلا قاعدة بحرية في جيبوتي. وحتى لو كانت لديها القوة الكافية لردع عمليات تخريب للاتفاق، فلن يجد ذلك الأمر قبولاً.

الاتفاق الحالي مازال في مراحل التوقيع، ويحتاج بالتأكيد إلى العمل الجاد، فالدرب لتحقيق السلام، في ظل ظروف أمنية صعبة ومعقدة، هو درب وعر، واحتمالات نجاح اجتيازه مثل احتمالات تعثره.

إلا أن السلام خير من الحرب، ويستحق بالتأكيد أن يعمل الجميع على تحقيقه، فالمصلحة فيه مشتركة.