سقط رهان السلطات الإيرانية على منع الإيرانيين من إحياء «ذكرى أربعين» الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني، التي توفيت داخل مركز للشرطة بعد توقيفها بسبب مخالفة قواعد ارتداء الحجاب الإلزامي في الجمهورية الإسلامية.

فرغم الإجراءات القمعية التي اتخذتها السلطات، وإجبار عائلة الشابة على التصريح بأنها لن تحيي ذكرى الأربعين التقليدية، عمت الاحتجاجات المحافظات الإيرانية، خصوصاً محافظة كردستان حيث سارت مسيرة راجلة ضخمة قدرت بـ 50 ألف شخص في اتجاه مقبرة بلدة سقز، مسقط رأس مهسا.

وأطلقت قوات الأمن النار والغاز المسيل للدموع لمنع المسيرة من الوصول إلى هدفها، في وقت قطعت السلطات الإنترنت عن المنطقة لأسباب أمنية. وتظاهر محتجون قرب مقر مجلس الشورى (البرلمان) وسط العاصمة طهران كما حاصروا مقر الطب العدلي؛ احتجاجاً على تقريره بشأن سبب وفاة مهسا.

ونظم آلاف الطلاب مسيرات داخل جامعاتهم، خصوصاً جامعات طهران وأمير كبير وشريف والجامعة الصناعية، وهتفوا ضد المرشد علي خامنئي تحت أنظار قوات الباسيج والحرس الثوري التي بدت أنها اتخذت قراراً بعدم المواجهة لتفادي غضب الطلاب.

وشهدت المناطق والضواحي الجنوبية لمدينة طهران مثل شهر ري وآذري ونازي آباد التي تعتبر معقل أنصار حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي الأصولية احتجاجات ضد النظام، واضطرت مديرية القطارات إلى إقفال أبواب مبنى سكة الحديد المركزية في جنوب طهران ساعتين، في وقت أفادت تقارير بتعطيل السلطات لخدمات الإنترنت وملاحقتها لكل من يحاول تصوير المسيرات المعارضة.

وحسب التقارير الواردة، فإن معظم مناطق مدن كرج وأصفهان وشيراز وتبريز وقم وكاشان ومشهد ورشت وحمدان والأهواز شهدت احتجاجات مماثلة.

كما تحولت احتجاجات شهدتها مدينة زاهدان، مركز محافظة سيستان بلوشستان، إلى مواجهات عنيفة في ظل تعتيم إعلامي مشدد من قبل سلطات طهران. ومع عودة حدة الاضطرابات إلى المدن الإيرانية، أغلق التجار محالهم خصوصاً في بازار العاصمة وعدة مدن بكردستان.

وانضم عمال بمصفاة طهران النفطية للإضرابات التي تشهدها عدة مؤسسات تضامناً مع «الحراك الشعبي».

وقام عدد كبير من الأطباء بالتجمع في المبنى المركزي لنقابة الأطباء؛ احتجاجاً على قيام القوات الأمنية بكسر حرمة العمل الطبي واستخدام سيارات الإسعاف في عملياتها والضغط على الأطباء والممرضين وتهديدهم للإبلاغ عن النشطاء.

وفي تطور خطير، قتل 15 شخصاً على الأقل في مدينة شيراز عندما فتح 3 مسلحين النار على زوار شيعة عند ضريح شاه شيراغ في مدينة شيراز. وقالت السلطة القضائية إن اثنين من مطلقي النار تم توقيفهما وقُتل الثالث.

وأمس الأول قتل عقيد في الحرس الثوري في مدينة زاهادان بمحافظة سيستان وبلوشتسان التي تسكنها أقلية البلوش السنية. وبعد أسبوع من وفاة مهسا قتل نحو 90 شخصاً عندما احتج جمع من البلوش أمام مخفر الشرطة في زاهادان على قيام مسؤول أمني باغتصاب فتاة بلوشية قاصر. ومنذ ذلك تسود المنطقة التي تشهد حراكاً انفصالياً والواقعة على الحدود مع أفغانستان وباكستان توتراً شديداً.

وفي تفاصيل الخبر:

Ad



في ذكرى مرور أربعين يوماً على مقتل مهسا أميني بعدما احتجزتها شرطة الآداب لمخالفتها قواعد ارتداء الحجاب الإلزامي، خرجت احتجاجات جديدة تطالب بالتغيير وتندد بنظام الجمهورية الإسلامية في عدة محافظات إيرانية بينها العاصمة طهران وكردستان واصفهان وتبريز وأذربيجان الغربية ومشهد وخوزستان أمس.

وفي مدينة سقز في كردستان ايران، تجمعت حشود كبيرة من الإيرانيين في الطريق الى المقبرة التي دفنت فيها الشابة الكردية التي توفيت داخل مركز للشرطة، وتحدوا الإجراءات الأمنية المشددة المفروضة لمنع تكريمها مع انتهاء فترة الحداد.

وردد عشرات النساء والرجال الذين تجمعوا في مقبرة آيجي في سقز، البلدة التي تتحدر منها مهسا أميني في كردستان بغرب إيران، «امرأة، حياة، حرية» و«الموت للديكتاتور» في إشارة إلى خامنئي.

وأطلقت قوات الأمن الإيرانية، النار على أشخاص تجمعوا عند قبر مهسا، حسبما نقلت وكالة «رويترز» عن شاهد أكد أن «شرطة مكافحة الشغب أطلقت النار على الحاضرين الذين تجمعوا عند القبر لحضور مراسم ذكرى مهسا... بينما ألقي القبض على العشرات».

وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية «إسنا»، أكدت من جانبها، وقوع اشتباكات بين قوات الأمن ومشاركين في إحياء أربعينية مهسا. وزعمت الوكالة أن «عددا محدودا» فقط ممن تجمعوا عند قبر أميني اشتبكوا مع قوات الشرطة في ضواحي سقز «وتم تفريقهم».

وأضافت أنه بعد الاشتباكات، انقطعت خدمة الإنترنت في سقز «لاعتبارات أمنية»، مضيفة أن عدد من تجمعوا بلغ نحو عشرة آلاف. وأوضحت «قطع الاتصال بالانترنت في مدينة سقز لأسباب أمنية بعد توترات ومواجهات متفرقة حصلت بعد إحياء الذكرى».

وقالت منظمة هنكاو الحقوقية، إن قوات الأمن الإيرانية أطلقت النار والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في سقز.

وذكرت الجمعية النروجية، التي تراقب انتهاكات الحقوق في محافظة كردستان على «تويتر»: «قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع، وفتحت النار على الناس في ساحة زندان ببلدة سقز».

وبحسب ناشطين في مجال حقوق الإنسان، فإن أجهزة الأمن حذرت عائلة أميني من إقامة مراسم في ذكرى وفاتها والطلب من الناس زيارة قبرها في محافظة كردستان وإلا «فعليهم أن يقلقوا على حياة ابنهم أشكان» الذي تحدثت تقارير عن اعتقاله.

وأمس الأول، نشرت وكالة «إرنا» بياناً قالت إن العائلة أصدرته جاء فيه: «نظراً للظروف ومن أجل تجنّب أي مشكلة مؤسفة، لن نحيي ذكرى مرور 40 يوماً» على وفاة مهسا.

ورغم حملة القمع المتواصلة ضد «الحراك الشعبي» نزلت شابات وشبان مجدداً في تظاهرات كما يظهر في تسجيلات نشرت على الإنترنت أمس، وتحدثت تقارير عن مهاجمة قوات الأمن لمتظاهرين في ميدان «بهارستان» قرب مقر البرلمان بطهران. وأظهرت فيديوهات شابات في محطات مترو في طهران يهتفن «الموت للديكتاتور» و«الموت للحرس الثوري».

ونظم المواطنون في منطقة أمير آباد بطهران تجمعاً احتجاجياً، وظهر المحتجون في منطقة أميرآباد وهم يهتفون ضد المرشد علي خامنئي.

وشاركت مجموعة من الأطباء في وقفة احتجاجية أمام مكتب منظمة النظام الطبي في طهران، لكن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

ولاحقاً، استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي لتفريق احتجاجات في مناطق متفرقة من كردستان التي تسكنها الأقلية الكردية غرب البلاد.

في هذه الأثناء، شهدت عدة جامعات في طهران واصفهان وتبريز وكردستان وأذربيجان الغربية ويزد مسيرات احتجاجية نظمها طلاب داخل الحرم الجامعي.

وأظهر مقطع فيديو قيام طلاب جامعة «نجف آباد» في أصفهان بإزالة لوحة للمرشد المؤسس روح الله الخميني وخامنئي بعد ركلها.

وجاءت التطورات الجديدة بعد يوم على اتهام ناشطين عناصر أمن بضرب تلميذات في مدرسة الشهيد الصدر المهنية للبنات في طهران الاثنين الماضي.

وفي وقت تواصل إضراب محلات تجارية في العاصمة، انضمت مجموعة من عمال مصفاة طهران لموجة الاضطرابات التي تعم البلاد دعما للحراك الشعبي، الذي انطلق منتصف سبتمبر الماضي. وتزامن ذلك مع إضراب أصحاب المحلات التجارية في 8 مدن كردية بينها سنندج، ومهاباد، وجوانرود، وبوكان.

خلافة خامنئي

من جانب آخر، رأى 3 محللين ومسؤول مؤيد للإصلاح أن الرئيس الأصولي إبراهيم رئيسي، بتشديده القيود على حقوق المرأة، يعزز أوراق اعتماده كمتشدد وربما احتمال أن يصبح المرشد الأعلى خلفا لخامنئي، حتى لو كان ذلك على حساب إثارة احتجاجات جماهيرية وإشاعة الفرقة بين الكثير من الإيرانيين وأجنحة النخبة الحاكمة.

وبعد مرور عام على انتخاب رئيسي الذي مثل نهاية عصر اعتبره كثير من الإيرانيين أكثر براجماتية وتسامحاً، أدى التطبيق الصارم لحكومته في ارتداء الحجاب في الأسابيع التي سبقت وفاة مهسا أميني إلى إعادة التأكيد الكامل على نفوذ المتشددين.

والآن، وفي الوقت الذي يدعو فيه عشرات الآلاف من المحتجين إلى سقوط نظام الجمهورية الإسلامية رداً على وفاة أميني، يعزز المتشددون قوتهم، ويؤيدون استخدام رئيسي للقوة ضد الاحتجاجات حتى لو كانت الأمور السياسية راسخة في قبضة خامنئي.

وينظر الإيرانيون العاديون وخبراء أجانب ورجال دين إلى رئيسي، الذي يحظى بدعم «الحرس الثوري»، باعتباره مرشحاً منافساً لخلافة خامنئي الذي ترددت أنباء عن سعيه لتوريث منصبه إلى نجله مجتبى.

وقال مسؤول مؤيد للتيار الإصلاحي: «يؤمن رئيسي حقاً بقائمة الأولويات الثورية للزعيم الأعلى. إنه متشدد يؤمن بتطبيق قيود اجتماعية وسياسية على نحو أكثر صرامة».

وأضاف: «لا دراية لي بطموحاته الشخصية ليصبح الزعيم الأعلى المقبل، لكن سواء خلفه أم لم يخلفه، دعني أؤكد أن رئيسي نفسه رجل دين مناهض للغرب، ولا يؤمن بمجتمع أكثر حرية». من جهة أخرى، ذكرت تقارير غربية، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستكشف عن عقوبات جديدة ضد مسؤولي إيران خلال الأيام المقبلة على خلفية قمع الاحتجاجات.

الملف النووي

في سياق منفصل، أكد وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن خلال لقائه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، أن الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير الموارد التي تحتاج إليها الوكالة لمواصلة مسؤوليتها في التحقق والمراقبة في إيران، فيما جدد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان حديثه عن تلقي رسائل من واشنطن بشأن إحياء «الاتفاق النووي» مؤكدا أن بلاده لا تتخلى عن خطوطها الحمراء.

ويأتي ذلك في وقت وصف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس تقدم البرنامج النووي الإيراني بأنه «أكبر تحدٍّ استراتيجي تواجهه إسرائيل». وقال غانتس في تصريحات أمس: «إن إيران تنهض وقوتها تتزايد والعلاقة بينها وبين روسيا تتعزز، وسنرى النتائج في الساحة الشمالية وأماكن أخرى» في إشارة إلى تصعيد محتمل بسورية.