لن أقف طويلاً أمام تكرار ظهور مَنْ يدَّعون أنهم المهدي المنتظر- على امتداد التاريخ، كي لا أدخل في شبكة من المتاهات التي يصعب الخروج منها بنتيجة منطقية، أو موضوعية، لكنني سأقف - قليلاً - أمام أحد النماذج المهدوية الشهيرة، والتي لعبت دوراً سياسياً مهماً في مواجهة الاحتلال المصري البريطاني للسودان.

***

Ad

فالسيد محمد أحمد المهدي (1844 - 1885) من أسرة تحمل لقب الأشراف، استوطنت السودان، وبحُكم كونه من سُلالة آل البيت، كان يدعو الناس إلى العودة للدين الصحيح، مما جعل الكثير من القبائل، على امتداد السودان، يؤمنون بدعوته، وما هي إلا سنوات قليلة حتى جهر بأنه هو المهدي المنتظر، الذي سيملأ الأرض عدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.

*** وأصدر قراراً بتعيين صديقه - عبدالله التعايشي - قائداً للجيش، الذي فُصِّلت له ملابس عسكرية خاصة، وكان أفراد الجيش يُسمون «الدراويش»، وبدأت أولى مواجهاتهم مع حاكم السودان المصري، الذي وجَّه لهم تهمة نشر الكراهية الدينية، فانتصروا عليه، بعد أن انضم إليهم تجار الرقيق، الذين قدَّموا للمهدي مساعدات مالية وكميات من السلاح، لأن الحكومة كانت تمنعهم من التجارة بالرقيق.

*** تمكَّن التعايشي من مواجهة الجيش المصري والجيش البريطاني، وحاصر مدينة الخرطوم، التي كانت تضم الدوائر الحكومية، كما كانت مركزاً للجاليات الأجنبية وغالبية التجار المصريين، فتم تحريرها والسيطرة عليها تحت هيمنة المهدي لأكثر من 14 عاماً.

***

ثم قامت بريطانيا ومصر بشن حملة عسكرية واسعة ومركَّزة، قُتل على أثرها التعايشي، واستُعيدت الخرطوم إلى الحُكم المصري والبريطاني، وتم القضاء على جيش المهدي. وعقب الاحتلال الإنكليزي المصري للسودان، كانت وحدات من الجيش المصري لا تزال تقاتل الثوار في السودان. بدأت إنكلترا تتدخل لتزاحم المصريين على احتلال مواقع من السودان، مما دفع بشريف باشا، رئيس وزراء مصر، لتقديم احتجاج، لكن وزير خارجية بريطانيا قدَّم له مذكرة نصها: «إن بريطانيا مسؤولة سياسياً عن مصر».