لقد أصبح الحديث عن الطاقة المتجددة أمراً شائعاً ومكرراً لدى معظم المهتمين بالشأن العام والتخطيط البنيوي وشؤون الطاقة والبيئة، كونها البديل الأنجع للطاقة النفطية والغازية الناضبة بطبيعتها، والتي تقع عادة في مركز الأزمات الدولية وصراعات السيطرة بالنظر الى انعكاساتها المباشرة على الاستقرار الاقتصادي والرفاهية المجتمعية والأمن الغذائي.

فلم تعد خافية الأهمية الاستراتيجية للطاقة المتجددة بما تتمتع به من خصائص استدامة وفاتورة متدنية مادياً وبيئياً وصحياً مقارنة بمجموع التكلفة العالية التي تتكبدها الدول لإنتاج الطاقة الأحفورية، والتي يتحملها الأفراد لاستخدامها المكلف والمضرّ معاً.

Ad

ومع ما تعانيه الأرض من تغيّر مناخي واحتباس حراري، ومع الارتباط العضوي بين اتجاهات السياسة الدولية وتقلبات أسعار النفط، تتزايد القناعة بأهمية الاستثمار في مشاريع الطاقة المستدامة، ولاسيما تلك التي تعتمد على الشمس وحركة الرياح والماء، الأكثر إتاحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تقع دولنا العربية.

إن انخراط الدول العربية في دائرة إنتاج واستخدام الطاقة البديلة والمتجددة لم يعد رفاهية اختيارية بل أصبح واجباً حيوياً والتزاماً دولياً بمستلزمات «الاقتصاد الأخضر»، وفي السياق تذكر التقارير المتخصصة أن المنطقة العربية- بحكم وقوع دولها ضمن «حزام الشمس» أو على ضفاف البحار والأنهار، وبفضل تمتعها بمساحات كبيرة مفتوحة- يمكنها الاستفادة من الحرارة والضوء المرسلين من النجمة المشعة الى الكرة الأرضية، ومن حركة الرياح التي لا تتوقف، ومن الموارد الكهرمائية التي تمكنها من إنتاج كمية كبيرة من الطاقة.

وفي السياق، يتوقع المتخصصون أن مشروعات محطات توليد الطاقة المتجددة بالدول العربية ستحقق عند اكتمالها ما يقرب من 92% من إجمالي ما تستهدف المنطقة تحقيقه بحلول 2030، حيث يجري العمل الجدي على تشييد محطات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بسعة إنتاجية تبلغ في المجمل 73.4 غيغاواط، وهو ما ينطوي على زيادة في الإنتاج الحالي للمنطقة من الطاقة المتجددة بنحو خمسة أضعاف.

فقد أولت دولة الإمارات العربية المتحدة جُلّ اهتمامها لمواكبة التطورات والتكنولوجيا في إنتاج الطاقة المستدامة ونجحت بتصدّر قائمة الدول العربية المنتجة للكهرباء من الطاقة الشمسية، ونجحت في أن تحل في عام 2013 بالمرتبة الثالثة على مستوى العالم في هذا المجال، ومازالت تقوم بجهود ملحوظة في الاستثمار بمشاريع الطاقة المتجددة، داخل الدولة وخارجها، بحجم استثمار يفوق عتبة الـ50 مليار دولار خلال العقدين الماضيين، حيث تخطط للاحتفال بآخر برميل نفط في عام 2050، علماً بأن استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 التي سيستثمر فيها ما يقارب 600 مليار درهم، تستهدف مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة بغية ضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية.

بدورها وجّهت جمهورية مصر العربية استراتيجيتها للطاقة المستدامة لعام 2035 نحو زيادة مساهمة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية، ومن المقرر أن يصل إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة عام 2035، مقارنة بـ20% عام 2022، وبدورها،

ويحسب للمملكة المغربية مضيها في تنفيذ أكبر برنامج فوتوفولطي حيث تم تركيب 160 ألف نظام طاقة شمسية منزلي في نحو 8% من البيوت الريفية بقدرة إجمالية تصل إلى 16 ميغاواط، الأمر الذي يوزايه نجاح المملكة الأردنية الهاشمية في رفع حصة الطاقة المتجددة لديها بقدرة توليد الكهرباء إلى 29% بنهاية شهر يوليو 2022، وذلك مقارنة بنسبة بلغت 0.7% فقط خلال عام 2014.

وحسناً فعلت المملكة العربية السعودية بتضمين محور «الاقتصاد المزدهر» من رؤيتها 2030 للتنمية المستدامة، بنداً خاصاً بسوق الطاقة المتجددة يهدف إلى إضافة ما يقارن 6 غيغاواط من الطاقة المتجددة إلى الإنتاج المحلي بحلول عامة 2023 كمرحلة أولى، فضلاً عن توطين نسبة كبيرة من سلاسل القيمة للطاقة المتجددة في الاقتصاد الوطني، شاملاً أنشطة البحث والتطوير والتصنيع وغيره.

أما في الكويت التي تتمتع بحكم موقعها الجغرافي بحجم وافر من موارد الطاقة المتجددة، فقد تضمنت رؤيتها لعام 2035 عدة مشاريع خاصة في توظيف الطاقة النظيفة نذكر منها: مجمع الشقايا للطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية والرياح، وتوريد وتركيب وتشغيل وصيانة الألواح الكهروضوئية على أسطح خزانات مياه الصبية الأرضية، ومركز تحلية المياه باستخدام الطاقات المتجددة، ورغم ما قد يبدو من حرص على تنفيذ هذه المشاريع لم تظهر للعلن نتائج ملموسة تدللّ على نجاح الجهود في تحقيق الغايات المرجوة منها!

***

رغم وجود بعد المؤشرات المبشرة، تعاني دولنا العربية بعض المعوقات التي تؤخر النجاح ببلوغ درجة الاكتفاء من الطاقة المستدامة، ونذكر من بين التحديات: نقص التمويل وإساءة توجيهه، والتأخر في اتخاذ القرار والتردد فيه، والقصور في تلمس تداعيات واحتياجات حقبة ما بعد البحبوحة النفطية، وطول الدورة المستندية، وتعدد طبقات الرقابة غير الفاعلة، والتأثير السلبي للمنافسة غير المشروعة وتدخلات النافذين، وقصور التدابير والإجراءات التشريعية والتنظيمية الخاصة بتشجيع الاستثمار بالطاقة البديلة، والتأخر في إعداد وتدريب الطاقة البشرية المؤهلة، وعدم الإدراك الجماعي لأهمية المشاريع الصديقة للبيئة ودورها في المحافظة على ديمومة واستمرارية الخدمات، والإغفال عن واجب الصيانة المستمرة وتعاظم تكاليفها في المناخات القاسية كالمناخ الصحراوي... إلخ.

لقد آن الأوان أن تستفيد دولنا مما حباها الله به من نعم في مواردها الطبيعية المتجددة ومجتمعاتها الحيوية الشابة والقادرة على تحدي الصعاب وتذليل العقبات إذا ما عقد العزم وتضافرت الجهود وأحسن التخطيط والتوجيه.

* كاتب ومستشار قانوني