هو مرض عضال، يتمكن من الوظائف الحسية بالجسم فيفقد الشعور بالآخرين، ليصبح المرء منساقا بتعجرفه دونما تحكم، ويصعب التنبؤ به مبكرا، حتى إن خاض المريض فحوصات شاملة ودورية، لأن المصطلح بأكمله جاء من اسم أسطورة يونانية «نركسوس» الذي كان وسيماً جدا، فأغرم بنفسه عندما رأى انعكاس وجهه على سطح البركة، فأفنى حياته عاشقاً نفسه حتى مات!

النرجسية اعتلال سلوكي بات ظاهرة عند الكثير من الناس، يتضخم فيه شعور الشخص بأهميته وتتولد لديه حاجة ماسة ليكون موضع الإعجاب عند الجميع ومحور الكون!

Ad

وأرى أنه من أخطر الأمراض شيوعاً، لأنها في كثير من الأحيان معدية بطريقة تهدمك وتدمرك دون أن يعرف أحد دواءً لعلاجك عدا الكف عن مجالسة نرجسي مريض! فأولئك يستمدون قوتهم وطاقتهم من خلال إذلالك ودفعك لهاوية الشعور بالذنب دون أن تقترف وزراً أصلا، ويؤمنون أنهم مميزون وفوق العباد في الأرض، حتى إن كان ما يفعلونه لا يتعدى سقف التباهي والغرور!

فهم كثيرو النقد والملاحظات ولا يثنون على عملك ولا يلفتهم أي مجهود تقوم به، لأن عقولهم مبرمجة على إعطاء الأوامر والتحكّم بالآخرين، والطامة تكمن عندما يكون أحد أقربائك كذلك، أو شريك حياتك، ستكون صحوتك مكلفة جدا، فغالبا لا يستوعب ضحايا النرجسيين حالتهم إلا بعد خسارات كبيرة وباهظة!

أعرفُ نرجسيا قريبا لا يعرفه إلا من هم في بؤرته، أما الغرباء فيبدو لهم وديعا جدا وحكيما! يذكرني بـ«الأرملة السوداء»، وهي العنكبوت السامة الماكرة، التي تستعرض فنونها أمام الذكر لتنال قلبه، وما إن يدنو منها وتقضي مصلحتها حتى تنقض عليه وتُميته بل تأكله!

فالنرجسي الموبوء يرى نفسه أحق بكل شيء من غيره، وهو معجب بذاته لدرجة يفقد معها الشعور بالذنب والإحساس بالآخرين، فهو المرض الوحيد الذي لا تفيد معه الكلمة الطيبة، ولا المديح لأنها ستكون كالجرعة التي تزيد بشاعته وقبحه!

لكل من يعاني مع معتل فيه هذا المرض نقول: اتركه يصارع سوءه وحده أيا كانت علاقتك وصلتك به، فأولئك لا ينفع معهم سوى «التهميش» والتجاهل التام، فالحياة أجمل من أن نتورط بسُم لا يطيب إلا بعد امتصاص كامل عافيتنا.