رسم المشرع الكويتي، وشأنه في ذلك شأن العديد من التشريعات، أن يُخصص جهاز تكون مهمته مراقبة أداء القائمين على أداء المؤسسة سواء كانوا ممارسين لأعمال إدارية أو فنية. وأكد المشرع في قانون تنظيم القضاء على أن يتولى جهاز التفتيش القضائي مهمة فحص الأعمال التي يقوم بها السادة القضاة بغية الرقابة على الأعمال التي يمارسونها لاسيما أنها تتصل بتحقيق رسالة العدالة.

ونظراً لخصوصية الأعمال التي يؤديها القضاة وطبيعتها، ولأنه لا سلطان على قضائهم، فقد أناط المشرع أداء هذه المهمة بإدارة ذات طبيعة فنية تمارس ذات العمل القضائي وتفهم في شؤونه وتدرك المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق السادة القضاة.

Ad

وحتى تقوم إدارة التفتيش بالدور المنوط بها يتم تحقيق حاجات تلك الإدارة ومتطلباتها إعمالاً للدور الذي خصها بها المشرع والمسؤولية الملقاة على عاتقها. وأول مظاهر ذلك الاحتياج الملح هو احتياج تشريعي يتمثل في تعديل قانون تنظيم القضاء، بما يسمح بالتفتيش على جميع أعمال السادة القضاة مهما بلغت درجتهم القضائية والتي يقصرها القانون الحالي على من هم بدرجة وكيل محكمة، وذلك لأنه لا يستقيم تحقيق مبدأ المحاسبة والرقابة على أعمال كل القضاة ويكون جزء كبير منهم بمنأى عن الرقابة تحت مسوغ أنهم ممنوعون منها بحكم القانون الذي يقصر درجة التفتيش على منهم بدرجات معينة ويستثني درجات أخرى، وهو أمر غير مبرر ويتنافى مع فكرة المحاسبة التي تبررها على الأقل قواعد الحوكمة.

ورغم تلك الحاجة التشريعية لهذا التعديل المستحق على قانون تنظيم القضاء، لا يمكن إغفال التجربة الحالية لجهاز التفتيش القضائي الذي يعمل وفق إمكانات متواضعة منذ نشأته، والتي لا يمكن أن تلبي الطموح أو الغاية التي أرادها المشرع عند النص عليها في القانون رقم 8 لسنة 1990، وهو الأمر الذي يثير جملة تساؤلات يأتي في مقدمتها كيفية قيام الجهاز بدوره نحو البحث والتفتيش على أعمال السادة القضاة والتأكد من ممارسة عملهم الفني على أكمل وجه عند إصدار الأحكام في وقت لا يتوفر للجهاز الوسائل الحقيقية والعملية لممارسة ذلك الدور، وكيف للجهاز أن يراقب سلامة الدور المهني والفني للقضاة من دون أن توفر له وزارة العدل الوسائل والموظفين المساندين لكي يقوم بأداء رسالته؟

إن توفير الدعم الإداري باعتماد المخطط الهيكلي للجهاز، والموضوع منذ سنوات تحت بحث وتدقيق رغم نص قانون تنظيم القضاء عليه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ينبئ بخلل جسيم في تقديم الدعم الطبيعي للأجهزة القضائية كجهاز التفتيش القضائي المنوط به عملية التفتيش على أعمال القضاة بما يضمن سلامة إصدارهم للمهام القضائية، وفق أحكام القانون والدستور في وقت تكون هذه المؤسسة في أمس الحاجة لتطوير منظوماتها الداخلية بما يضمن جودة أعمالها ونقاء المهام التي تؤديها، وهو ما يتطلب دعمها بشرياً وإدارياً وماليا لتحقيق كل متطلباتها وحاجاتها.