في الوقت الذي تستمر التحقيقات الجنائية في قضية ضبط شبكة تسريب اختبارات الثانوية العامة، والمتهم على ذمتها أكثر من 20 متهماً، بين 11 معلماً ووسطاء ومشرفين لقروبات واتساب، تُثار جملة من التساؤلات القانونية عن مصير الشهادات التي حصل عليها الطلاب من جراء وقائع الغش المضبوطة، خصوصاً أن قروبات الواتساب، وعددها ثلاثة حتى الآن، وفق ما كشفت عنه التحقيقات، كان يتواجد بها أكثر من 20 ألف طالب، وهم نظرياً مَنْ استفادوا من الاختبارات المسرَّبة، بعد سدادهم، أو جزء منهم، لمبالغ مالية لوسطاء، مقابل تسريب الاختبارات لهم لمصلحة المعلمين المتورطين.

وللوقوف على المركز القانوني للمتهمين في القضية، وفق ما كشفت عنه التحقيقات، فإن النيابة نسبت لهم وقائع الرشوة وإفشاء الأسرار وغسل الأموال، بعدما انتهت التحريات والتحقيقات المُجرأة إلى وجود وقائع إفشاء الأسرار، المتمثلة بتسريب الاختبارات ووقائع الرشوة، وتلقي المعلمين المشتبه بهم مبالغ مالية، لقاء تسريبهم تلك الاختبارات للطلاب المستفيدين، وأخيراً إدخالهم المبالغ المتحصلة من وقائع الرشوة، التي كانت لقاء تسريب الاختبارات في حساباتهم البنكية الخاصة.

Ad

لذلك، فالمتهمون المُحالون إلى المحاكمة الجنائية سيُواجَهون بتلك الوقائع على ضوء ما قُدِّم بحقهم من تحريات وأدلة وشهادة شهود وأقوال في النيابة العامة. بينما ما يخص الطلاب المشتبه بحصولهم على الاختبارات المسرَّبة، ودفعهم لمبالغ مالية هم وأولياء أمورهم في هذه القضايا، وفق ما دلَّت على ذلك التحقيقات في القضية، فإن مسؤوليتهم القانونية تقع وفق مسارين، الأول مسار جنائي، ويتمثل في ارتباطهم بوقائع إفشاء الأسرار والرشوة وغسل الأموال التي ارتبط بها المتهمون في الواقعة المضبوطة، ومن ثم فإن التحقيق قد ينتهي، إذا ما قررت جهة التحقيق ذلك، إلى إدخالهم المتهمين في تلك القضايا المالية، من خلال إسناد التهم بالاشتراك في وقائع إفشاء الأسرار، ودفعهم لمبالغ مالية كجريمة رشوة مقدَّمة منهم للمعلمين، من خلال الوسطاء المضبوطين في القضية، باعتبارها جريمة رشوة، من خلال الوساطة، وليست جريمة رشوة مباشرة.

لذلك، فإنه إذا ما أرادت جهة التحقيق أن توجِّه للمعلمين جريمة الرشوة عن طريق الوساطة، فإنه يجب حتماً، وفق النموذج القانوني لها كجريمة، أن تقوم بإدخال الطلاب أو أولياء الأمور في تلك الجرائم باعتبارهم الراشين للوصول إلى أن المعلمين هم المرتشون، لأنه لا يمكن قانوناً توجيه الرشوة للمعلمين بوجود وسطاء هم المسؤولون على قروبات الواتساب من دون أن يكون هناك راشون في القضية، وهم المفترض في حالتنا أن يكونوا الطلاب أو أولياء الأمور.

ومن ثم، فإن إشراك الطلاب، مهما بلغ عددهم في قضية الغش التي ضبطتها الأجهزة الأمنية، له مسار جنائي مرتبط بالسلوك الصادر من الطلاب المرتبطين بهذه الواقعة، سواء اقتصر على الاشتراك بوقائع إفشاء الأسرار، أو ارتبط بوقائع الرشوة المبينة في التحقيقات، ارتباطاً مع المتهمين المضبوطين في القضية من وسطاء ومعلمين.

بينما المسار القانوني الآخر الذي يمكن التعامل به مع الطلاب المضبوطين في وقائع الغش، فهو يتمثل فيما أعلنت عنه وزارة التربية، بتشكيل لجنة عُليا لمكافحة الغش، إلا أن الأهم من ذلك أن ترسم تلك اللجنة طريقاً لها للتحقيق في الوقائع الخاصة بظاهرة الغش، ومنها الواقعة التي كشفت عنها التحقيقات الجنائية بضبط شبكة تسريب اختبارات الثانوية العامة الأخيرة.

ووفقاً لهذا المسار الإداري الذي يمكن التعامل به من قِبل اللجنة، فإنه يستلزم علاوة على تحديد مسار عمل اللجنة ونطاق اختصاصها وصلاحياتها، أن تقوم بتحديد الجزاءات المناسبة كحلول واقعية حال ثبوت ارتباط أي من الطلاب المشتبه بارتكابهم وقائع الغش حال إذا لم يطلهم التحقيق الجنائي الذي تجريه النيابة العامة حالياً.

كما يتعيَّن أن يشرك في اللجنة، المزمع تشكيلها، عدد من المتخصصين في مجالات التحقيق الإداري والجنائي من أساتذة القانون، لتحقيق أمرين، هما: أن يتولى ملف التحقيق عناصر محايدة بعيدة عن الوزارة، بما يحقق مقتضيات الحيدة والنزاهة والاستقلالية عنهم، والثاني أننا أمام مهام مفصلية في حياة الطلاب وأولياء أمورهم، ومن ثم فتحديد المسؤولية القانونية أمر يتطلب تحقيقه من مختصين في مجالات التحقيق الإداري والجنائي يعكفون على إيجاد الحلول القانونية عقب انتهاء مهام التحقيق، لا إداريين ومسؤولين، فضلاً عن أن مهام الوصول إلى مدى ارتباط الطلاب الموجودين في قروبات الواتساب بوقائع الغش ومدى استفادتهم منها، وهي مهام فنية تعتمد على مهارات المحقق، كالبحث في كيفية استفادة الطلاب المشتبه بهم في وقائع التسريب، وفي حال استفادتهم منها، ما الأدلة الموجودة على ذلك؟ سواء كانت أقوالاً من المتهمين في القضية الجنائية، أو وجود محادثات لهم على الواتساب، أو دفعهم لمبالغ مالية، فضلاً عن أن تلك الاستفادة من ذلك التسريب انعكست على النتائج التي حصلوا عليها بالنجاح والتفوق، لذلك إذا ما ثبت عدم الاستفادة الفعلية لهذا التسريب، وتبيَّن مثلاً عدم نجاحهم، فلا يمكن اعتبارهم مستفيدين من ذلك التسريب، لأننا أمام جملة من القرائن التي تتطلب الترابط والتساند فيما بينها، للوصول إلى مسؤولية الطلاب الموجودين في القروبات.

وعلى النقيض مثلاً إذا ما ثبت وجود الطلاب في القروبات، وثبت دفعهم لمبالغ مالية مقابل ذلك التسريب، سواء بشكل مباشر أو عن طريق قروبات الواتساب، وأخيراً انعكس ذلك على دراستهم، بحصولهم على تفوق دراسي، فهذه قرائن على ارتباطهم بالوقائع محل الغش، وهي قابلة لإثبات عكسها، ويخضع الرد عليها في النهاية إلى تقدير القائمين على اللجنة والمحاكم فيما بعد، إذا ما عُرض عليها النزاع حال تظلم أي من أولياء الأمور على القرارات التي قد تتخذها اللجنة، في حال إذا ما عملت وأصدرت قرارات بثبوت ارتكاب عدد من الطلاب لوقائع الغش وقررت حرمانهم لسنة دراسية أو أياً ما كانت القرارات.

وإذا توصلت اللجنة إلى ثبوت مسؤولية الطلاب عن وقائع الغش، وهو جهد فني كبير، نظراً لأعداد الطلاب ومهام التحقيق، فإن ذلك يتطلب البحث في سلامة الحلول التي يتعيَّن اتخاذها للتعامل مع الحالات التي ثبتت مسؤوليتها، وذلك وفق اتجاهين، وفقاً للمراكز القانونية التي قد تتمتع بها كل فئة، نظراً لوقوع تلك الأحداث منذ عام 2020، بعد أن كشفت التحقيقات الجنائية أن الفئة المستفيدة من وقائع الغش هم طلاب المرحلتين ال 11 و12.

وبالرجوع إلى العديد من الأسماء التي قد تكون مشتبهاً بها في وقائع الغش، والتي كشفت عنها تحقيقات اللجنة، سيتضح أن بعضهم خريجون للثانوية العامة، وبعضهم مرتبط بقبول حالي في الجامعات، أو حتى البعثات الخارجية، أو وظائف عامة، وبعضهم مازال على المقاعد الدراسية، وهو الأمر الذي يتطلب معه العمل على تحقيق إثبات وقائع الغش بحق هؤلاء الطلاب، وصولاً إلى النيل من المراكز القانونية التي اكتسبوها لاحقاً، خصوصاً أن بعضها يعود إلى ثلاثة أعوام سابقة، إذا ما وضعنا بعين الاعتبار المدة التي سوف تستغرقها اللجنة في عملها بالتحقيق، رغم أنها لم تبدأ أعمالها بعد.

وإذا ما كُتب للجنة أن انتهت إلى ثبوت وقائع الغش بحق الطلاب، مهما بلغ عددهم، واستبعاد مَنْ لا يثبت تورطهم بذلك، فإنها ستطلب من الجهات المعتمدة لتلك الشهادات عدم اعتمادها، لحصولها نتيجة وقائع الغش والتدليس، وتطلب إعادة الاختبارات التي تقدم بها الطلاب مجدداً، لعدم سلامة النتائج التي حصلوا عليها في تلك السنوات، وهو ما يترتب عليه إلغاء قبولهم في الجامعات أو الوظائف، وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة، حال ثبوت المخالفات بحقهم، وإذا لم تثبت التحقيقات بشأن ضلوعهم في وقائع الغش يسمح لهم باستكمال دراستهم، لعدم سلامة أو كفاية الأدلة، فيما الطلاب الذين مازالوا على مقاعد الدراسة، فإنه في حال ثبوت المخالفات بشأنهم يتم التقرير بعدم احتساب السنة التي اجتازوها، ومن ثم يتقرر إعادة الاختبارات لهم.



بينما الخيار الأخير، فإن اللجنة ووزارة التربية عليهما التسليم بما حدث، وتجاوزه، لعدم القدرة على ضبط كل ما حدث، لوجود الاستحالة العملية في ثبوت تلك الوقائع، وارتباطها بما يسفر عن مسؤولية المتسبب بها، فضلاً عن الأخذ بالاعتبار مسؤولية الوزارة التي أخفقت في التحقيقات بوقائع التسريب، لاسيما أن التحريات كشفت عن أن الوزارة تلقت منذ سبع سنوات ماضية شكاوى وطلبات بالتحقيق عن وقائع بالتسريب، إلا أنها لم تحرك ساكناً، لعدم جديتها في التفاعل مع هذا الملف.

ومن ثم، فان الوزارة إزاء تخمة هذا الملف، وعدم قدرتها الفنية على مواجهة أحداثه، تكتفي بالتحقيقات الجنائية التي تجريها النيابة العامة حالياً، مع إيجاد آليات لضبط حالات الغش، والتشدد مع محاسبة مرتكبيها مستقبلاً، والعمل على تعديل لائحة الغش الحالية، والتي تعاني خللاً أهملت الوزارة في ضبطه!