أطلق منتدى التنمية الخليجي اللقاء السنوي الـ 41 تحت عنوان «الفساد وتأثيره على التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي»، وسمى الدورة الحالية باسم المرحوم سليمان المطوع الذي يعتبر أحد مؤسسي المنتدى.

وقال رئيس مجلس الإدارة د. سعد الزهراني إن المنتدى اعتاد منذ 5 دورات تكريم الأعضاء السابقين المؤسسين، مشيراً إلى أن هذا العام شهد تكريم ذوي المرحوم المطوع؛ تخليداً لدوره في تأسيس المنتدى.

رسالة بليغة

من جانبها، قالت عضوة مجلس إدارة المنتدى د. موضي الحمود إنه «في ديسمبر 1979 اجتمع عدد من الأعضاء في منطقة الخليج، وقاموا بتأسيس هذا الكيان، وحملوا رسالة بليغة لمناقشة مشكلات المجتمع الخليجي، لتثمر اجتماعاتهم 41 لقاء».

وذكرت الحمود أن المنتدى اعتاد استذكار دور الرموز الذين أسسوا وشاركوا في خلق هذا الكيان لسنوات طويلة، من خلال إطلاق أسمائهم على الدورات التي تطلق في الاجتماعات السنوية للمنتدى، ومنها الدورة الحالية التي سميت باسم سليمان المطوع، «الذي كان حاضراً في جميع اجتماعاتنا، وشعلة في إثارة الحوار خلال المنتدى».

تشخيص الواقع

بدوره، قال مدير مشروع منتدى التنمية الخليجي د. إبراهيم البعيز، إن تنظيم هذا اللقاء تجدد بعد عامين بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، مضيفاً أن الأوراق المشاركة في اللقاء تسعى لتشخيص الواقع الذي نعيشه في حالة الفساد وليس لمحاكمة دول الخليج، فضلا عن رسم معالم دروب محاكمة هذا الفساد.

وتابع أن المنتدى حقق إنجازا كبيرا في عملية الانتقال من مرحلة انكار الفساد الى الاعتراف بهذه الظاهرة، ومحاولة تجاوزها.

الجلسة الأولى

وانتقل المنتدى بعد الجلسة الافتتاحية، إلى انطلاق الجلسة الأولى والتي ترأستها الحمود من خلال طرح أوراق علمية تناقش الفساد في دول مجلس التعاون، وأشكال الفساد الأكاديمي في جامعات هذه الدول.

وفي البداية، قدم الأكاديمي من مملكة البحرين د. حسن العالي الورقة الأولى تحت عنوان «الفساد في دول مجلس التعاون»، حيث تطرق بنظرة عامة حول مفهوم الفساد، وأهم المؤشرات العالمية لقياسه، وبنيته وجذوره في دول مجلس التعاون، والتداعيات التنموية له، قبل أن ينتهي إلى استنتاجات وتوصيات.

ولفت العالي إلى ترتيب دول التعاون لمؤشرات مدركات الفساد خلال الفترة من 2012 وحتى 2020 وبشكل عام، إذ تحسن ترتيب الامارات من 68 عالميا إلى 71 وهي تحتل المرتبة الاولى خليجيا، كما تحسن ترتيب السلطنة من 47 إلى 54 والسعودية من 44 إلى 53، بينما تراجعت بقية الدول: «قطر من 68 إلى 63، والكويت من 44 إلى 42 والبحرين من 51 إلى 42».

مظاهر الفساد

وقال إن تحسن مؤشرات السعودية والإمارات وعمان جاء في ظل الجهود الحكومية لتحسين أداء القطاع العام وتعزيز نزاهته ومحاربة مظاهر الفساد، لكن اللافت للنظر أن تراجع مؤشرات الكويت والبحرين لم يكن لأسباب تتعلق بالفساد الذي تفشى في المجتمع خلال السنوات الأخيرة فحسب، بل لأسباب سياسية أيضا، حيث شهدت الكويت بعض محطات عدم الاستقرار بسبب المواجهات بين السلطة التشريعية والحكومة، بينما شهدت البحرين تراجعاً كبيراً في الحريات السياسية والإعلامية منذ عام 2011.

مؤشر المدركات

وتابع العالي في الورقة العلمية أن مؤشر مدركات الفساد يشوبه القصور سواء من حيث منهجيته أو هيكلية أو نطاق تغطيته، لعدة أسباب، أبرزها أن أسئلة المؤشر تركز على ممارسات القطاع الحكومي وسلوكية الموظفين الحكوميين فقط التي تتم خلال ممارسة مهامهم الرسمية، والاعتماد على الخبراء يعني الاعتماد على الحكم الشخصي لهؤلاء الخبراء ومدى قدراتهم واطلاعهم على أوضاع البلاد التي يقيمونها وكذلك مراكزهم ومصالحهم هم أنفسهم في بلدانهم أو البلدان التي يقيمونها.

رسائل جامعية

وفي الورقة العلمية الثانية التي طرحت في الجلسة، تناول أستاذ المناهج في جامعة الملك سعود، وعضو مجلس الشوري السعودي سابقاً د. موافق الرويلي أشكال الفساد الأكاديمي في جامعات دول مجلس التعاون.

وتطرق الرويلي خلال مناقشته الورقة إلى الإشراف على رسائل جامعية مقدمة لجامعات وهمية ومناقشتها، والنشر في مجلات جامعات وهمية وتقديم بحوث ودراسات في مؤتمرات تقيمها منظمات غير أكاديمية أو بحثية، و«السرقات العلمية».

Ad

وقال إن الورقة تستعرض أشكال الفساد العلمي عبر 3 أشكال هي: المشاركة في انتشار الشهادات الوهمية في المنطقة، والنشر بأوعية النشر العلمي المشبوه، ومخالفات قواعد النشر العلمي.

الشهادات الوهمية

وفيما يخص الشهادات الوهمية، أشار إلى أن الدكتور عبدالرحمن أبوعمة صنف الشهادات إلى أربعة أنواع: شهادات حقيقية، وشهادات مزورة، وشهادات وهمية، وشهادات واهنة، أما الشهادات المزورة، فهي مستندات وقع عليها تحريف وتزييف في اسم الجامعة أو اسم حاملها، موضحا أن تلك الشهادات حقيقية، لكنها صادرة من جهة لا يحق لها حسب القوانين المرعية في بلدها منحها.

وعن الشهادات الواهنة، أكد أنها شهادات حقيقية صادرة من جامعة حقيقية ومعتمدة في بلدها، لكن لا تنطبق عليها شروط معادلة الشهادات التي تقررها الجهات السيادية في بلد حاملها.

ولفت إلى أن هناك شكلين من أشكال النشر المشبوه؛ أولهما النشر في المجلات الصادرة من جامعات وأكاديميات وهمية، تنشر نتاجها في اللغة العربية، وثانيهما هو النشر في المجلات الصادرة من دور نشر مفترسة، ويشمل الحديث عن النشر المشبوه - بأشكاله المختلفة - مشاركة الأكاديميين في جامعات دول الخليج في تحرير المجلات، ونشر بعض منهم بحوثهم في تلك الأوعية.

وأضاف أن أبرز التوصيات لكبح بعض ممارسات الفساد العلمي التي وقع، أو سيقع فيها مستقبلاً، بعض أعضاء التدريس في جامعات دول الخليج العربي، يتمثل في تفعيل دور المنظمات الإقليمية، ودور وزارات التعليم العالي والجامعات والجهات الرقابية.

الجلسة الثانية

بدوره، أكد الأمين العام للهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت سابقا أحمد الرميحي، أن الفساد من أكبر معوقات التنمية وله آثاره المدمرة على كل قطاعات المجتمع، والتي تمتد على المستوى الدولي من خلال غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والجريمة المنظمة، مبينا أن تقرير صندوق النقد الدولي يشير إلى ارتفاع تكلفة الفساد الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد العالمي، وتكلفة الرشوة سنوياً وحدها تقدر بترليوني دولار عالميا.

وأضاف الرميحي، خلال ورقة العمل التي قدمها في الجلسة الثانية لمنتدى التنمية الخليجي، بعنوان فاعلية مكافحة الفساد في دول مجلس التعاون الخليجي ودور منظمات المجتمع المدني، إن للفساد أنواعا مختلفة أكثرها تأثيرا على المجتمعات «الفساد السياسي» بحكم ما يملكه السياسيون من سلطة وهيمنة على الجوانب السياسية والاقتصادية والتشريعية.

وتابع أن الفساد السياسي إذا تسيّد في أي دولة وتلازم معه فساد التنفيذيين أصبحت الدولة ومواردها نهباً لهذه الفئات، لافتا الى أن التقارير الدولية تشير الى أن الرشوة تعادل 10.9 في المئة من قيمة التعاقدات و34.5 في المئة من الربح، مما يحد من دخول الاستثمارات الأجنبية في الدول التي تنتشر فيها الرشوة.

وأوضح أن الإحصاءات تشير الى أن 80 في المئة من الرشى الأجنبية تذهب الى المسؤولين في المؤسسات المملوكة للدولة و11 في المئة منها تذهب الى رؤساء الدول والوزراء، كما أن اربعة قطاعات تستحوذ على 66 في المئة من الرشى الأجنبية وهي الصناعات الاستخراجية والمقاولات الانشائية والنقل والتخزين والمعلومات والاتصالات.

وأكد أهمية وضع تشريعات وإجراءات تجفف منابع الفساد، وتلاحق مرتكبيه، وتسهل للمواطن الوصول إلى الخدمات العامة وتحمي المبلغين عن جرائم الفساد، مع منح الاستقلالية الكاملة للجهات المختصة بمكافحة الفساد في دول مجلس التعاون الخليجي، والنأي بها عن تدخلات أو ضغوط من السلطات الأخرى.

تدين شكلي

ومن جهته، قال الأكاديمي والكاتب القطري الدكتور عبدالحميد الأنصاري، إن المجتمعات الخليجية رغم حرصها على الشعائر الدينية من صلاة وصوم وزكاة وحج وعمرة فإن هذا التدين شكلي، فالمضامين الحقيقية لهذه العبادات لا التزام بها في مجمل حياتنا العملية، فهناك فجوة واسعة بين تعاليم الإسلام والواقع الحياتي لمجتمعاتنا.

وأوضح الأنصاري، خلال الجلسة الثانية من اللقاء السنوي الواحد والأربعين «الفساد وتأثيره على التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي»، أن الدول الخليجية تشيد أكبر وأفخم الجوامع، لكن القيم الدينية المتعلقة بالحرص على المال العام وما يتعلق بقيم الأمانة والنزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية والمحاسبة لا تجدها مترجمة على أرض الواقع.

وقال إن اختزال الدين في اللحية والحجاب وتحريم الفنون من المظاهر غير الجوهرية بدلا من أن يلتزم أفراد المجتمع بالأمانة في المعاملة وصيانة المال العام والبعد عن الرشوة والفساد والسرقة وأداء العمل بإخلاص، هو الذي خلق هذا الانفصام الديني والفكري بين المبادئ والواقع وبين العلم والعمل.

ولفت إلى أن الفساد الخليجي يصنف بأنه نوع من الفساد الكبير، لذلك يتعذر رصده عبر مدركات منظمة الشفافية العالمية، كما أنه محصن بتشريعات قانونية تجعله ممارسة مقبولة اجتماعيا.

وشدد على أهمية تفعيل المبدأ الإسلامي «من أين لك هذا»، وإتاحة المعلومات الدقيقة للجمهور من خلال إفساح المجال لوسائل الإعلام لتسليط الضوء على أداء الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وتفعيل المساءلة إذ لا إصلاح بدون مساءلة، إضافة إلى السعي لتعميم الحكم الصالح، وتمكين التنافسية ومنع الاحتكار.

وأكد أن المجتمعات الخليجية لن تنجح في مقاومة الفساد إلا من خلال إرادة قيادة سياسية حازمة في اجتثاث جذور كل أشكال الفساد، ومشاركة مجتمعية معينة للقرار السياسي بتنشيط الدور الرقابي لمنظمات المجتمع المدني الخليجي.

تجارب ناجحة

ومن جانبها، قالت أمينة سر مجلس إدارة جمعية الشفافية الكويتية أسرار جوهر حيات، إن الفساد ظاهرة منتشرة في أغلب دول العالم وبأشكال مختلفة أبرزها الفساد المالي والإداري، والفساد هو سوء استخدام للسلطة، وهناك تجارب عديدة ناجحة يمكن الاستفادة منها لاجتثاثه، منها تجربة هونغ كونغ التي نجحت بجدارة في مكافحة الفساد، مشددة على أهمية حق الاطلاع على المعلومات كأداة من أدوات مكافحة الفساد، ويجب إقرار هذا الحق بقانون.

وأضافت حيات، خلال استعراضها ورقة عمل بعنوان «أدوات مكافحة الفساد مفاهيم وأمثلة» في الجلسة الثالثة من المنتدى، أن هناك أدوات مختلفة لمكافحة الفساد، ولا يمكن إغفال دور الصحافة الاستقصائية في هذا الجانب.

وأشارت إلى أن هونغ كونغ استخدمت ثلاث استراتيجيات لمحاربة الفساد تقوم على «الردع والمنع والتعليم»، إضافة إلى أن لديها تشريعا شاملا للتعامل مع الفساد، وفصلت جرائم الرشوة بدقة مما يجعل الموظف العام تحت المراقبة، إضافة إلى أنها من الدول الأولى التي جرّمت الفساد في القطاع الخاص.

وأكدت أنه لمكافحة الفساد لابد من وجود وكالة مخصصة ومستقلة للقيام بتلك المهمة، لافتة إلى أن تعطل تنمية الكثير من البلدان يعود إلى فساد ناتج عن خلل أو ضعف في الحكم، وهناك أدوات لمكافحة الفساد.

وذكرت أنه لا يوجد حل واحد لمكافحة الفساد، وعلى كل دولة دراسة ظروفها الفريدة والتوصل الى استراتيجية شاملة في ظل أن عملية مكافحة الفساد علم وصناعة لا يمكن أن تتم بدون إرادة سياسية مستقلة واتباع نهج الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والإعلامية والجمهور والشبكات الدولية.

ولفتت إلى أن مكافحة الفساد يجب أن تكون على القطاعين العام والخاص على حد سواء، لأن الضرر في أي منهما سيؤثر سلبا على المجتمع.