قال الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة شركة «الشال»، جاسم السعدون، إن ما حدث في الميزانية العامة للدولة عكس ما جاء في بيان وزارة المالية، التي شهدت تغيير القيود إضافة عدم زيادة بالإيرادات بل تم النقل.

وأضاف السعدون، خلال الحلقة النقاشية التي جاءت بعنوان «الكويت - الدولة المستدامة»، والتي أقامتها شركة «رساميل»، وأدارها علي الفليج الرئيس التنفيذي للعمليات في الشركة، ان بيان «المالية» ذكر أن الدولة تتبع خطة محكمة لزيادة الإيرادات غير النفطية بشكل تدريجي على مدى السنوات القادمة، بالإضافة إلى إصلاحات لتقنين وترشيد المصروفات، وزيادة كفاءة الإنفاق التي ستدخل حيز التنفيذ تدريجياً، إلا أن ما شهدناه في الميزانية حدوث العكس.

Ad

وأكد السعدون أن «العلاج موجود لدينا، والرؤى كثيرة بالكويت بقدر ما وضعها معقد، إلا أن حلها سهل جداً، فالدولة تحتاج إلى عقل وتغيير إدارة».

وأفاد أنه «لو لم تحدث الحرب الروسية- الأوكرانية لكانت الفرصة فاتت علينا»، منوهاً إلى «اننا قبل عامين كنا نشكو من كل شيء إلى أن حدثت الحرب، التي صاحبها ارتفاع أسعار النفط إلى معدل 102 دولار خلال 8 أشهر، واليوم بلغ 80 دولارا، إذ هبط النفط الكويتي 19 في المئة، والحكومة تعيش يومها».

وتمنى السعدون أن تأتي حكومة مختلفة تماماً، وأن تقوم بإسقاط على المستقبل، والاجتماع لبحث المستقبل، قائلاً: «إذا كان عاجبكم الوضع وقابل للاستمرار فنحن نعتذر»، مضيفا «فمن غير المعقول صرف كل هذه المليارات على الرواتب والأجور ودعوم دون وجود تعليم ولا طرق ولا شيء، فالرقم في حد ذاته يعد كبيراً».

وفي سؤاله عن كيفية الخروج من ذلك، بيّن أن الإمكانات مازالت موجودة، وضرب مثلاً بما حدث في 2017، والذهاب للسوق العالمي، والاقتراض في السنوات السابقة، وتغيير النمط في الحلول، لأن لدينا مشكلة مالية عامة، كما أن الاهتمام قصير الأمد، وتغيير تركيبة الميزانية، والأصل الوحيد، والاهتمام بالدخل الوحيد المستدام، وتنميته إيراداته في تمويل الأموال للميزانية وتغيير النمط.

وطالب السعدون بالتفكير خارج الصندوق، مستشهداً بذلك خلال خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت فرص العمل خارج الحكومة، والقطاع الخاص أنشأ هيئة المطاحن، والسينما، وشركة الطيران، وجميعها وفرت فرص عمل للمواطنين.

وأكد أنه في الخمسينيات كانت الكويت والحكومة توظف 57 في المئة من مواطنيها، أما في 2022 فوظفت 83.6 في المئة، كما أننا نجد اليوم في الميزانية مبلغ نصف مليار دينار لتوظيف 21 ألف مواطن، متسائلاً أين سيتم توظيفهم؟ وأين سيتم توظيف ال 75 ألف مواطن القادمين لسوق العمل خلال السنوات ال 3 المقبلة.

وتحدث السعدون عن الجوانب المالية للميزانية وما حدث خلال العام 2020 وكيف كانت الدولة تشكو من زيادة الرواتب.

وتطرق إلى دفع الحكومة مبلغ 4 مليارات دينار لشراء الكرسي ولم تنجح، وهناك 4 حكومات من يوليو 2020... لا يوجد استقرار بدليل لا نعلم من هم الوزراء؟ وفي جانب البناء البشري في العام الدراسي وجدنا في البرنامج الحكومي أن هناك نصاً واضحاً يقول إن مستوى التعليم بالكويت متخلف 4 سنوات 8 من 10، فالطالب في الصف السابع هو الآن في الثانوية العامة وهو الأمر الذي يجب التعامل معه، كما أن مخرجات التعليم في العام 2021-2022 في نتائج الثانوية فمستوى النجاح 84% وأكثر 34% منهم نسب النجاح تتجاوز ال 90% لذا كيف يتولى زمام الدولة مستقبلاً.

وتساءل كيف تتم معالجة هذا الأمر في ظل حكومات جينات محاصصة، والأولى الاهتمام بالموارد المالية وقدراتنا البشرية فهم من يتولى شؤون البلد، متسائلاً كذلك كيف تتم توليه ال«غشاش» على شؤون الدولة، فكل التجارب بالعالم كسنغافورة والصين وتركيا النخبة من قادوا التحول الكبير في اقتصاداتهم ليكونوا الأكبر في العالم.

وأكد أننا «كي ننهض مستقبلاً لدينا فرصة كبيرة فما زالت الموارد المالية موجودة والبشر متميزون بالقيادة، لكن إذا تم الاختيار على أسس ولد العم والخال والطائفية فبالنهاية ستستقيل الحكومة خلال شهرين أو ثلاثة، فالحكومة ليست مشكلتها الأساسية الرؤى لأنه منذ الثمانينيات لدينا عدة رؤى كثيرة، وإنما استنساخ حكومات لا يمكن أن تتأمر على الكويت حتى تضعهم في هذه المناصب. وبالتالي فرصتنا كبيرة في أن ننجو لكن اذا استمررنا في استنساخ حكومات جينات المحاصصة فلا مجال للإصلاح.

وأفاد السعدون بأننا الآن وصلنا إلى طريق مسدود، ورأينا ذلك في الميزانية، فلا يمكن أن نستمر في الإنفاق بهذه الطريقة إلى جانب التوظيف بهذه الأعداد، لذلك وصلنا لمرحلة يجب اتخاذ القرار.

وبين أنه لدينا فرصة ويجب ألا نتأخر في الحلول لأن التكلفة ستكون أكبر، لكن تحتاج إلى إيمان بشكل صادق بأننا نستطيع أن ننهض بالبلد ونعود أفضل مما كنا لكن نحتاج إلى قرار جراحي ولكن من يتخذ هذا القرار.

من جانبه، قال رئيس قسم الاقتصاد بجريدة «الجريدة» محمد البغلي، إنه لدينا اليوم في الكويت مشكلة تعريف مفهوم الرفاهية، والمقصود بها، والفرق بينها وبين الريعية، فهناك خلط كبير في المجتمع الكويتي والشارع السياسي والخطاب الاقتصادي الحكومي، معلقاً أنه «شتّان ما بين الرفاهية والريعية».

وأوضح أن الرفاهية باختصار هي جودة الحياة وتوفير خدمات الإنسان الضرورية في إمكانية الحصول على السكن والتعليم والعلاج وجودة الخدمات وبيئة مناسبة وطرق جيدة وتضخم أقل وبيئة نظيفة والحريات الشخصية والعامة والسياسية والقضاء المستقل وهي الرفاهية المنشودة.

وبين أن الريعية فهي مدمرة وذات مخاطر وابعاد شعبوية خطيرة على الكويت وهي استهلاكية محضة بإنفاق مليارات الدنانير دون عوائد ملموسة على الاقتصاد، كما تبين لنا في ميزانية الكويت التي تنفق ما يوازي 80% من مصروفاتها على الرواتب والدعوم أو أن تكون مناقضة للمنطق.

وتطرق البغلي للحديث عن دفع الحكومة مبلغ 4 مليارات دينار لضمان الكرسي في الكويت حيث تم من خلال هذا المبلغ تأجيل القروض ودفع كفالة التأمينات وبيع الإجازات والصفوف الأمامية وما انعكاس هذا على المواطن الكويتي؟ وهل تحول وضعه من الأسوأ إلى الأحسن؟ وهل هناك دراسة تبين أن أوضاع المواطن تحسنت أم أن التضخم ساهم في إنهاكه؟

وتابع أن الأسوأ من ذلك أنه عندما تمنح المواطن هذه المبالغ فانك تعطيهم «ابرة بنج» مقابل صمتهم عن سوء النظام الصحي والتعليمي وسوء إمكانية الحصول على سكن، وهي أمور فيها صعوبة إذا تم الخلط بين مفهومي الرفاهية والريعية.

وتابع: «اليوم مشاكل كثيرة فيما يتعلق بالشعوبية، وهي خطر دائم على مستقبل الكويت قد يكون جانبا كبيرا من المخاطر، أما الخطر الثاني فيتعلق بالإدارة العامة، فبدلا من أن نناقش الاستدامة والتحديات الموجودة نجد أننا نبحث في أمور ليست لها علاقة بالاستدامة، ونجد أن في الميزانية العامة نموا كبيرا في المصروفات، رغم أن مجلس الوزراء حث وزير المالية على وضع سقف على المصروفات وعدم تجاوزه، إلا أنه حدث العكس وتجاوزت المصروفات السقف المحدد».

وبين أن «متوسط عمر الحكومة بات اليوم 9 أشهر خلال ال16 عاما الماضية، و20 شهرا للبرلمان، وهي مشكلة كبيرة بعدد الحكومات، وهذه الأرقام مخيفة، وتبين لنا أن الكويت بحاجة الى تغيير، ونفضة من قيادة شابة بالفكر وبالعمر وبالمبادرة، حيث إننا فقدنا تلك المبادرة خلال السنوات الماضية، والحديث عن المشاكل المكررة وهي أقل من مشاكل الدول».

وعن إمكانية الإصلاح في الكويت، أكد البغلي أن الإمكانية مازالت موجودة، كما أن وقف التدهور من خلال المواجهة الشعبوية، التي تستنزف المليارات خلال فترة بسيطة، إلى جانب إصلاح إخفاقات الإدارة العامة ومعرفة أوزان المسؤولية.

وضرب مثلا بدولة رواندا في غرب إفريقيا، التي شهدت مطلع التسعينيات حربا أهلية طاحنة جعلتها دولة فاشلة، لكن عندما وصلت لها إدارة كفؤة، مطلع الألفية الحالية، نجحت في تبني إصلاح المؤسسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي، حتى تحولت إلى ما يعرف بسنغافورة القارة الإفريقية.

زيادة الميزانية للرواتب والأجور والدعوم

تحدث السعدون عن معدل النفقات خلال الحقبات الماضية، إذ في الحقبة الأولى (1960/ 1961 - 1975/ 1976)، كان معدل النفقات العامة 300 مليون دينار سنوياً، أما في التالية (1976/1977 - 1992/1993)، فارتفع المعدل السنوي للنفقات العامة إلى نحو عشرة أضعاف.

وقال إن الفترة من (1993/1994 إلى 2006/2007) كان المعدل السنوي للنفقات العامة نحو 5.025 ملايين دينار، بزيادة بنحو 62 في المئة عن معدل الحقبة السابقة لها.

وأوضح أن مستوى الإنفاق زاد في الميزانية ووصل الى 26 مليار دينار، مشيراً الى ان تلك الزيادة لم تذهب لخلق فرص العمل، بل ذهبت لحصة الرواتب والأجور والدعوم.

نتائج عكسية للهيئات

قال البغلي إن الكويت أسست عددا كبيرا من الهيئات بهدف رفع المستوى الاقتصادي الا ان نتائجها جاءت عكسية، موضحا أن الدليل على ذلك أن هيئة النزاهة تأسست في عام 2016 إلا ان مستوى الكويت في مدركات الفساد كان أفضل من بعد تأسيسها، فضلا عن أن الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة، وهيئة تشجيع الاستثمار وهيئة الشراكة بين القطاع العام والخاص، وهيئة الطرق، كانت كلها اوضاعها قبل التأسيس أفضل من بعده.

السعدون: النظرة للاقتصاد العالمي أفضل من «الإقليمي»

قال السعدون إن النظرة إلى الاقتصاد العالمي ليست سيئة كما كانت نظرتنا له في العام الفائت بدليل تقرير الصندوق الدولي الدولي الاخير، ويتبعه البنك الدولي، ثم الفدرالي الاميركي، الذي ذكر ان هناك نموا وهذا بدأ وسينمو ب 23.2 في المئة بأكثر من توقعاته في اكتوبر بالسوقين الصيني والاميركي، مبيناً ان هذه مراكز الاقتصاد العالمي يصبح التنبؤ عليها أفضل.

وأضاف أنه على مستوى التضخم، يبدو انه على حدود السيطرة إلى حد ما، والذي انخفض من 8.8 في المئة الى 6.6 في المئة ثم الى 4.4 في المئة، ونجده في اتجاه هبوطي.

وبين ان الصورة الاقتصاد العالمي قبل ثلاثة اشهر أسوأ مما هي عليه حاليا، فالاقتصادات هي التي تحرك الطلب على الكل، ويبدو ان الامور ستكون افضل على المستوى العالمي، اما على مستوى المنطقة فأسوأ قليلاً، لان أسعار الطاقة تعد أحد الاسباب التي جعلت النظرة التفاؤلية، مضيفا أن النظرة على الاقتصاد العالمي أفضل، بخلاف الدول الاقليمية بسبب اعتمادها على النفط في اقتصاداتها.

البغلي: ليس لدينا اقتصاد... نحن «بياعين» نفط

أكد البغلي أن الميزانية غير جدية، ولا ترى مخاطر المستقبل، بدليل ذكر زيادة الإيرادات غير النفطية بتوريدها من الجهات غير المستقلة، إلا أن أكبر الجهات المستقلة هي مؤسسة البترول وشركاتها التابعة، وبذلك تكون الإيرادات غير النفطية بدعم قوي من إيرادات النفط عبر عوائد التكرير.

وأضاف: «خلال سنوات ارتفاع النفط ضيعنا فوائض مليارية بتعبئة احتياطي الأجيال وصندوق الاحتياطي العام ليصبح لدينا عجز، ويجب أن نعترف بأننا في الكويت ليس لدينا اقتصاد حقيقي، بل بياعين نفط».

واستطرد: «كنا في مرحلة الفوائض لندخل في مرحلة العجز، وقد ندخل في مرحلة الاستدانة خلال السنوات المقبلة، وإذا لم تكن لدينا إدارة حقيقية جدية تبين مصروفات الدَّين العام، فيجب السؤال: إلى أين نحن ذاهبون؟».

البغلي: لا نعرف قيمة الصندوق السيادي فكيف نوزع 20% من استثماراته؟

أكد البغلي أن «مشكلتنا أن لدينا سيلا كبيرا من المقترحات الشعبوية وتكاليفها الريعية مقدمة من نواب مجلس الأمة الذين طرحوا مشاريع، منها اسقاط القروض تكاد تصل كلفتها الى 30 مليار دينار، الى جانب المقترح الاخر المتعلق بتوزيع 20 في المئة من عوائد صندوق الاجيال القادمة على المواطنين بالتساوي».

وأضاف البغلي أنه «قبل الاعتراض على المقترح وعدم واقعيته لدينا مشكلة اساسية وهي عدم امكانية الحصول على المعلومات من الصندوق السيادي وهي معلومات غير شفافة، فنحن لا نعلم كم قيمة الصندوق قبل أن نقدم تلك المقترحات، وبالأمس أعلن الصندوق النرويجي وصندوق هونغ كونغ عن خسائر قياسية نتيجة الازمة العالمية».

الغربللي: المواطن البسيط عازف عن الصناديق الاستثمارية

تحدث نائب رئيس إدارة الأصول في شركة رساميل عبدالمحسن الغربللي عن الاستدامة المالية والشخصية، مشيرا الى وجود نقص كبير في الثقافة الاستثمارية للمواطن البسيط، مبينا أن هناك عزوفا لدى المواطن البسيط عن الصناديق الاستثمارية التي أنشئت لاستخدام هذه الأموال وصغار المستثمرين لإدارة هذه الأموال وتوفير هذه الشركات للاستثمار فيها.

وأشار الغربللي إلى أن توزيعة السوق غير صحية وغير مناسبة للاستثمار، في النظرة الشمولية للإنسان المواطن بسيط، نجد توزيعة السوق الحالي وعند مقارنة السوق العام نلاحظ الكويت 70% بنوك والنفط 4% من السوق الكويتي رغم أنها دولة نفطية والرعاية الصحية تشكل 1%.

وأضاف أن هناك تأخيرا في البيانات الاقتصادية والأرقام تتأخر، وهذا ما حدث خلال الأزمة، إذ لم تكن هناك أية بيانات حديثة، وهو الأمر الذي يصعب دور الاستثمار، نتيجة نقص المعلومات والبيانات الاقتصادية بالكويت آنذاك، وهي أمور تساعد الدولة على خلق الاستدامة المالية الشخصية والشمولية المالية أفضل مما هى عليه الآن.

وأردف: «عند النظر الى التقسيمة الاستراتيجية للسوق الكويتي، نجد أنه من أقدم أسواق البورصة في الخليج إلا أن البيانات التاريخية للسوق الكويتي ناقصة، وهو الأمر الذي يحد من الحصول على تلك المعلومات منذ الستينيات، ولا يمكن مقارنة المؤشرات مع السوق الكويتي وأية أسواق أخرى، وتحد من الاستدامة المالية الشخصية، وتجعل الشخص يتكل على التأمينات ويستثمر في الأمور ذات المخاطر العالية، رغم توفير السوق الكويتي للاستدامة المالية».