فقدت الساحة الثقافية الكويتية أحد أبرز روادها في الأدب والقصة والشعر، هو الشاعر فاضل خلف، الذي وافته المنية، أمس، عن عمر يناهز 96 عاما.

اشتهر خلف بتنوع نتاجه الأدبي، وكتب في مجالات متنوعة، كما أنه عمل معلماً في بداياته، وانخرط في العمل الصحافي، ولأنه كان يجيد اللغة الإنكليزية فقد اجتهد في ترجمة الكثير من الإصدارات، كما عمل في السلك الدبلوماسي، إضافة إلى وظائف أخرى.عُرف الراحل بدماثة الخلق وحسن السيرة والقوة والجَلَد وحب خوض التحدي بكل ثقة وثبات، فلم يكن يهاب قول الحقيقة مهما كان الثمن، ونظير تميزه في الأدب، حصل على أرفع الأوسمة والجوائز، إذ حصد جائزة الدولة التقديرية بالكويت عام 2005، كما نال وسام الاستحقاق الرئاسي التونسي من الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي، تقديرا لمشواره الأدبي، ولاسيما أن خلف عاش فترة طويلة في تونس.

Ad

لم يركن الراحل قَطّ إلى السكون، حيث كان يدفعه شعوره بالمسؤولية إلى تقديم المساعدة والعود إلى والده، وفور أن أنهى تعليمه انخرط في العمل بحقل التربية والتعليم، واستمر في التعليم نحو 8 أعوام، شعر أنه قدّم خلالها ما استطاع من جهد، مفضلاً العمل في مكان آخر مع الراحل سليمان العدساني، ثم تدرّج في العمل في إدارات أخرى منها إدارة المطبوعات، وعقب ذلك حصل على بعثة دراسية إلى لندن ودرس في إحدى كليات كمبردج.

ميلاد شاعر

وكان الراحل يقول إنه ولج تونس من باب الأدب، حيث مكث فيها 14 عاماً، وكان يدين بالفضل لها في ميلاده كشاعر، واعتبر هذه المرحلة الأكثر ثراءً في مشواره. وكان يقول عن علاقته بتونس، إنها مرموقة جدا بالشعب التونسي، لاسيما بعد انتشار قصيدة له تغنى فيها بكفاح الشعب، معتبراً أن هذه القصيدة شرعت بوابة قلب الشعب التونسي له، خصوصاً بعد أن قامت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة التونسية بتسليط الضوء على القصيدة، ثم بدأت علاقته بالأدباء والكتّاب التونسيين تتوطد رويداً رويداً، واستمر التواصل في الحقل الثقافي من خلال إطلالة متنوعة عبر الصحف التونسية.

أسرة الأدب

اشتهرت أسرة فاضل خلف بالأدب والثقافة، حيث كان محباً للقراءة، سواء الإصدارات العربية أو الإنكليزية، وتضم أسرته شقيقه عبدالله خلف، الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، الإعلامي في إذاعة الكويت.

ضفاف مجردة

يذكر أن فاضل خلف التيلجي المولود في الكويت عام 1927، درس في بداياته بمدرسة السعادة التي سبقت انخراطه في المدارس النظامية كمدرسة الشرقية ومدرسة المباركية، وفيما بعد حصل على شهادة دار المعلمين ودبلوم الدراسات الأدبية من جامعة كمبريدج، ثم عمل مدرسا وملحقا صحافيا بتونس، ومستشارا في وزارة الإعلام.

ومن أبرز دواوينه: على ضفاف مجردة (نهر في تونس) 1973، و25 فبراير (شعر وطني) 1981، والضباب والوجه اللبناني (خواطر شعرية) 1989، وكاظمة وأخواتها 1995.

ومن أعماله الإبداعية: أحلام الشباب (قصص) 1955، وأصابع العروس (قصص) 1989. ومن مؤلفاته الأخرى: في الأدب والحياة، وزكي مبارك، ودراسات كويتية، وسياحات فكرية، وأصوات عالية، وأصداء بعيدة، وقراطيس مبعثرة، وذكريات نقعة ابن خميس، وأزهار الخير.

من إصداراته

وجمع خلف كل قصائده عن تونس، وهي متعددة الأغراض والمناسبات، ونشرها في ديوان كامل، سماه «على ضفاف مجردة»، وطبع هذا الديوان 3 مرات، الأولى في تونس سنة 1973، بتقديم الأستاذ المحقق اللغوي عبدالستار أحمد فراج، والثانية في الكويت سنة 2003، والثالثة في الكويت أيضا سنة 2006، لكنها أتت ضمن ديوانه الكبير الشامل، الذي سماه «ديوان الفاضل». وأتى الديوان في 150 صفحة من القطع الكبير، وضم 49 قصيدة، كتبت كلها في تونس، ودار جلها حولها، وأقل القليل حول أغراض أخرى.

قصيدة فلسطين

يا فِلَسْطِينُ لقَدْ طَالَ السُّرَى فتَطَلَّعْنَا إلى الأفْقِ البَعيِدِ

عَلَّنَا نَلْمَحُ في أنْحَائِه مطْلَعَ الأنْوَارِ والمَجْدَ التَّلِيدِ

عَلَّنَا نَرْمُق في أطرَافِهِ شُعْلَةَ الثَّوْرَةِ معْ خَفْقِ البُنُودِ

عَلَّنَا نَسْمَعُ في أرجَائِه صَرْخَةَ الأحْرَارِ للثَأرِ العَتِيدِ

بَيْدَ أنّا لمْ نَجِدْ غَيْرَ دُجىً وغَمَامَاتٍ من النَّكْبَةٍ سُودِ

جَعلَتْ آمالَنَا خَائِبَةً بِزَمَانِ النَّصْرِ والفَجْرِ الجَديِدِ

أحَقيقٌ ما نَرَى أمْ أنَّهُ منْ أضالِيلِ خَيَالاتِ الهُجُودِ؟

قصيدة نهر مجردة

تَنَزَّلْ على الخضراء دُّرّاً وعسجدا وزدْها على الأيام عِزّا وسؤددا

وعطّر ثراها من معينك بالشذا فقد طِبْتَ في الآفاق نبعاً وموردا

وصفقْ مع الشادين في كل مُنحنىً وحيِّ جموع الهازجين مُزَغْردا

وردِّدْ مع الأطيارِ في الدَّوح شدْوها ورَجِّعْ حفيفَ الغاب لحناً مجددا

ففي ضفَّتيك اليومَ للمجد ثورةٌ بخضرتها تجتثُّ ما كان أجردا

تزيدُ مَجالِيكَ الحسانُ تألُقاً يعودُ به وجهُ الحِمى مُتَوَرِّدا

وتُحيى من الوادي ربوعاً عزيزةً ستغدو بأفقِ المجدِ أبهى وأرغدا