وضعت الجهات الرقابية، ممثلة في هيئة أسواق المال، مسؤوليات جسيمة على مراقبي الحسابات للشركات المدرجة تتمثل في ضرورة إبلاغها بأي مخالفات أو تجاوزات مالية، على أن تشمل العقوبات المراقبين المخالفين لهذه المسؤوليات، إذ تبين في عدد من الشركات أن مجالس الإدارات أخفت بيانات مهمة عن مراقبي الحسابات، قبل أن تكتشفها الجهات الرقابية.

وعمليا، فإن مراقبي الحسابات في مواجهة وصراع مع «لوبي» التلاعبات في الشركات المدرجة، فثمّة قيادات تؤكد لمراقبي الحسابات أن مصائرهم واستمراريتهم مرتبطة بهذه القيادات، لأنها هي التي تختار المراقب وتقدّر أتعابه، ولها الكلمة العليا في قرار استمراريته من عدمها. وفي واقع الأمر، أن المساهم هو مَن يدفع الثمن، سواء أتعاب المراقبين أو ثمن التلاعبات في نهاية المطاف عندما تقع الواقعة وتُكتشف التلاعبات، ثم تدخل الشركة في دهاليز الشطب للابتعاد عن أعين الجهات الرقابية ودوامة المحاسبة، إذ باتت تعتمد بعض الشركات المخالفة «تكتيك» تجاوز المهل القانونية التي تمنحها هيئة الأسواق لتعديل التجاوزات والمخالفات في خطوة تجبر الهيئة على شطب الكيان للاستراحة من الملاحقات الرقابية.

Ad

وأمام التحديات والمسؤوليات الجسيمة التي يتحمّلها مراقبو الحسابات، فمن يحمي هذه الفئة المهمة استراتيجيا للمساهمين وحتى للمنظومة الرقابية، فمدقق الحسابات بات يمثّل «عين» المساهمين وحتى الجهات الرقابية داخل الشركات، لأنّه الأقرب إلى «مطبخ» العمليات، وهو من يصدر البيانات المالية النهائية، إما بتحفظات أو خالية منها.

وأخيرا، باتت الشركات المخالفة تمارس «الغدر» تجاه المراقبين الملتزمين بأخلاقيات المهنة ومسؤولياتها تجاه المساهمين وهيئة الأسواق، إذ أكدت مصادر موثوقة ل «الجريدة» أن مجالس إدارات وأجهزة تنفيذية طلبت منهم مخارج لهذه الملاحظات ومعالجتها، أو أن يكون الاستغناء عنهم مصيرا محتوما، وقد فقد العديد من مراقبي الحسابات عقود الأتعاب في سبيل ذلك مقابل الحفاظ على سمعتهم.

وبعد تكرار عمليات التلاعب والاحتيال والتساهل في تبديد أموال المساهمين من جانب بعض الإدارات والأجهزة التنفيذية وكشفها عبر ملاحظات المدققين، باتت المحافظ الاستثمارية الكبرى والصناديق الاستثمارية تؤكد أن سمعة مراقبي الحسابات تتقدم الأوزان والمعايير التي يتم أخذها في عين الاعتبار عند الاستثمار في الشركة، فالمراقبون ذوو السمعة الممتازة يمثّلون عامل أمان وثقة لأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين المحترفين، خصوصا أن هذه الفئات ذات توجّهات طويلة الأجل.

ومع التغيرات لبعض مراقبي الحسابات الموثوقين يمكن أن تلاحظ عمليات خروج وتبديل مراكز من جانب محافظ وصناديق ومستثمرين استراتيجيين قد تكون محل استغراب، لكن الأسباب تكون غير معلنة للجميع.

نظرة الشركات للمدقق

ومن أوجه اختلالات العمل وسوء التقدير أن بعض الشركات تنظر لمراقب الحسابات والمدققين أنهم يعملون كموظفين لدى مجلس الإدارة والجهاز التنفيذي، وبالتالي يجب عليه تطويع كل المعايير لخدمة «أجندات» مجلس الإدارة والجهاز التنفيذي لذلك هناك شريحة معروفة بالتخصص لكل شريحة من الشركات.

فثمة شركات تفشل في تلافي الملاحظات التي سجلها المراقب ذاته، ولا تتم معالجتها إلا بعد تغييره، وهذا ما يجب أن تراعيه هيئة الأسواق.

وإزاء ذلك الملف الشائك، ما هي أوجه الحماية التي يمكن أن توفرها الجهات الرقابية لمراقبي ومدققي الحسابات، لا سيما الذين يتميزون بالالتزام الكبير بأخلاقيات العمل ومعايير النزاهة ويعملون على الالتزام بالمعايير والتعليمات والقوانين المنظمة على أي مكاسب مادية آنية.

هل يمكن أن نرى تعليمات تحمي المراقب الذي يسجل أي تحفّظات أو ملاحظات تضمن عدم تغيّره بشكل تعسفي من أي شركة من باب التحفيز وترسيخ مبدأ الأمان، حتى يتم تنظيف السوق، خصوصا أن معظم المخالفات الجسيمة تبدأ من تغاضي المراقب عن الملاحظات أو إبداعه في معالجة التلاعبات خدمة ومكافأة لمجالس الإدارات والأجهزة التنفيذية دون اعتداد بالمساهم الصغير والأقليات.