في يناير من عام 842م توفي أمير المؤمنين «المعتصم بالله»، رحمة الله عليه، وهو أحد أمراء المؤمنين في الدولة العباسية، وكان قد جرّ الجيش استجابة لصرخة امرأة مسلمة «وا معتصماه وا معتصماه»، أطلقتها المرأة وهي تُسحل إلى السجن، وحاصر عمورية التابعة للإمبراطورية البيزنطية، والتي تقع على الطريق بين القسطنطينية وقليقلة، وأطلق سراح المرأة.

وفي يناير 1926، وفي نكبة دمشق، انطلقت حناجر الشعراء في مصر وفي غيرها من أرجاء الوطن العربي، تدعو إلى التبرع لمنكوبي هذه النكبة، وأنقل بعض ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته العصماء حول هذه النكبة:

Ad

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي

جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ

وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي

إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَداً وَخَفقُ

وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري

وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ

وفي شهر يناير والبرد القارس وزمهريره، يقتحم خيام اللاجئين السوريين في شتى بقاع الوطن العربي، وجنين في فلسطين المحتلة تتلظى بنيران الآلة العسكرية الإسرائيلية، ويتساقط الشهداء والجرحى، وهذه الآلة تحول بين الصليب الأحمر والهلال الأحمر للوصول إلى الجرحى، ليموتوا غارقين في دمائهم، وجنين ليست سوى قطعة من أرض فلسطين المحتلة الغارقة في دماء الشهداء، ودموع الثكالى والأرامل والشيوخ حزنا على فراق الأحبة، وفقدان الوطن السليب وبيوت الشهداء والأسرى تهدم وتشرد عائلاتهم، ويتذرع الاحتلال ببناء البيوت الأخرى دون ترخيص لتضاف أرضها في نهاية الأمر إلى المستوطنات، وقد أصبح المستوطنون جزءاً من الآلة العسكرية الإسرائيلية في سفك دماء الفلسطينيين، وأعضاء حكومة نتنياهو يباركون أفعالهم ويشيدون بها في تصريحاتهم، والبيت الأبيض يدعو إلى تهدئة التوتر من الجانبين سعيا إلى سلام دائم، من خلال المفاوضات بينهما، باعتباره الشريك المحايد!

ولسان حال الأمة العربية يقول قول الشاعر حافظ إبراهيم:

قُل لِلمُحايِدِ هَل شَهِدتَ دِماءَنا

تَجري وَهَل بَعدَ الدِماءِ سَلامُ

وكان البيت الأبيض قد خرج من رحمه في عهد الرئيس السابق ترامب صفقة القرن التي كانت الأشد بلاءً على الشعب الفلسطيني من قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في الأربعينيات من القرن الماضي.

وقد استعدت مقالاً نشرته لي صحيفة (القبس) في عددها الصادر في 10/ 10/ 2000 تحت عنوان «الدم ينزف والدمع يذرف والأقصى يحترق» أنقل بعض ما كتبته في هذا المقال، من أشعار الشعراء، الذين كانوا يرثون حالنا في الماضي وكنا أفضل من الآن.

وأبدأ بما جادت به قريحة نزار قباني، الذي رفض بعض من كانوا في مسجد المركز الثقافي الإسلامي في لندن، دخول جثمانه للصلاة عليه في المسجد في أبريل 1998 لولا تدخل السفير السعودي غازي القصيبي، جزاه الله خيراً، يقول نزار في قصيدة له:

نحن موتى لا يملكون ضريحا

ويتامى لا يملكون عيونا

نتعاطى القات السياسي والقمع

ونبني مقابرا وسجونا

ويقول حافظ إبراهيم، في وصف المحتل في مصر منذ أكثر من قرن:

كُنّا قِلادَةَ جيدِ الدَهرِ فَاِنفَرَطَت

وَفي يَمينِ العُلا كُنا رَياحينا

كانَت مَنازِلُنا في العِزِّ شامِخَةً

لا تُشرِقُ الشَمسَ إِلّا في مَغانينا

فَلَم نَزَل وَصُروفُ الدَهرِ تَرمُقُنا

شَزراً وَتَخدَعُنا الدُنيا وَتُلهينا

حَتّى غَدَونا وَلا جاهٌ وَلا نَشَبٌ

وَلا صَديقٌ وَلا خِلُّ يُواسينا

يخطئ من يظن أننا في بروج مشيدة من خطر الصهيونية العالمية، وبعيدون عن الخطر الصهيوني، فأطماع إسرائيل في الوطن العربي تمتد من الفرات إلى النيل ومن المحيط الأطلسي إلى الخليج واليهود هم أساطين السياسة والمال، في العالم كله.

وإن تاريخهم الأسود في نهب أموال الشعوب كان السبب الأول لكراهيتهم في الغرب قبل «هولوكست» هتلر بعقود من الزمن، كنا نشاهد فظائعهم في أفلام الغرب السينمائية، وكيف كانوا يفتكون بحريات وأموال الشعوب التي استضافتهم، ولقد نجحوا في إخفاء ماضيهم الملوث بدم الشعوب وكرامتها وكبريائها كما نجحوا من خلال الإعلام الغربي وأعلامهم بأن يعكسوا الآية ويصوروا الشعب العربي والإسلامي بأنه من الوحوش والبرابرة، بل وصلوا إلى طمس الحقائق في إعلامنا، فلم تعد الإذاعات العربية تذيع لمطرب الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب قصيدة الشاعر محمود علي طه:

أَخِي جاوَزَ الظالمونَ المَدَى

فحَقَّ الجِهَادُ وحَقَّ الفِدَا

أَنتركُهُم يَغصِبون العُروبَةَ

مَجدَ الأُبَوَّةِ والسُّؤدَدَا

وليسُوا بغيرِ صَليلِ السُّيوِف

يُجِيبُونَ صَوتاً لنا أو صدى

فَجَرِّد حُسَامَكَ من غِمدِهِ

فليس له بَعدُ أن يُغمَدا

أَخي أَيُّها العربيُّ الأَبيُّ

أَرَى اليوم مَوعِدَنا لا غَدَا

أَخي أَقبَلَ الشَّرقُ في أُمَّةٍ

تَرُدُّ الضَّلاَلَ وتُحيي الهُدَى

أخي إنَّ في القدس أختاً لنا

أعدَّ لها الذابحون المُدى

صبَرنا على غَدرهم قادِرينَ

وكُنَّا لهُم قَدَراً مُرصدا

طلَعنا عليهم طُلوعَ المَنُونِ

فطَارُوا هَبَاءً وصارُوا سُدَى

أَخي قُم إلى قِبلَةِ المشرِقَينِ

لنَحمِي الكنيسةَ والمسجِدا

بل إن دار العودة– بيروت- عندما نشرت ديوان الشاعر القدير علي محمود طه نشرته خاليا من قصيدته العصماء، حتى لا تغضب إسرائيل!

وللحديث بقية عن المفهوم القومي والإسلامي للقضية الفلسطينية، إن كان في العمر بقية.