يتجه الذهب فيما يبدو صوب عام من الأداء القوي رغم أنه تراجع تقريباً واحداً بالمئة في 2022 وسط أداء متقلب.

وتلقى الذهب الدعم لفترة من العام الماضي بفعل الأداء المتقلب للأسهم، إذ استقبل الذهب التدفقات الباحثة عن الملاذ الآمن بعد أن تسببت الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة وموجة التضخم العالمية في انخفاض أسواق الأسهم وحالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي على الأخص في الصين التي كانت تواجه موجات متتابعة من فيروس كورونا.

Ad

لكن المعدن الأصفر، الذي يُعتبره المستثمرون أداة تحوط في مواجهة التضخم تأثر سلبا بفعل زيادة أسعار الفائدة الأميركية وما استتبعه ذلك من صعود الدولار. ويتضرر الذهب من ارتفاع العملة الأميركية وعادة ما يتحرك في اتجاه عكسي لها، إذ إن ارتفاع الدولار المقوم به الذهب يقلص جاذبية المعدن الثمين الذي لا يدر عائدا.

أسعار الفائدة الأميركية محفز أساسي

وارتفع الذهب منذ أوائل نوفمبر تقريبا وسط مؤشرات على أن بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي سيتبع سياسة نقدية أقل تشددا، وفي ظل انخفاض العوائد على الدولار وسندات الخزانة الأميركية. ويرى الخبراء أن الذهب قد يستفيد من الطلب على الملاذ الآمن في الوقت الذي تزداد فيه التوقعات الاقتصادية لأميركا وأوروبا قتامة، وحتى مع توقع انتعاش الاقتصاد الصيني في وقت لاحق من العام الحالي.

ويرى محللون في استطلاع أجرته «رويترز» أن التوقف المحتمل للزيادات في أسعار الفائدة الأميركية سينعش اهتمام المستثمرين بالذهب.

وكان الذهب قد بلغ مستوى 2000 دولار للأوقية في مارس الماضي، لكنه سرعان ما تراجع سريعا إلى نحو 1650 دولاراً في نوفمبر مع توالي رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى أسعار الفائدة سريعا لمواجهة التضخم.

وتؤدي زيادة أسعار الفائدة إلى ارتفاع العوائد على الأصول الأخرى مثل السندات الحكومية والدولار الذي ينافس الذهب على الاستثمار.

وقال فرانك شالنبرجير، رئيس أبحاث السلع الأولية لدى «إل.بي. بي. دبليو» إن الذهب سيغير اتجاهه «عندما تقتنع السوق بأن بنك الاحتياطي الاتحادي سيتوقف عن رفع الفائدة».

وقال فلوران بيليه المحلل لدى «سوسيتيه جنرال»، إن العوائد على السندات الحكومية الأميركية المعدلة، وفقا للتضخم من المرجح أن تظل إيجابية حتى أواخر الربع الثالث من 2023.

وأضاف «في ظل أسعار الفائدة الحقيقية الإيجابية في الولايات المتحدة وأسعار الفائدة الآخذة في التزايد في أوروبا، من المرجح أن يعزف المستثمرون عن الأصول التي لا تدر عائدا مثل الذهب».

وقال المحلل المستقل روس نورمان، إنه من المستبعد أن ينخفض الذهب كثيرا، لأن الأسعار المنخفضة ستشجع المستهلكين على المزيد من الشراء في آسيا، وكذلك الأمر بالنسبة لصناع المجوهرات.

وارتفع الذهب نحو 5 في المئة منذ بداية العام الحالي. وقال داميان نوفيزيفسكي من «انفتسينج دوت كوم»، إن الذهب قد يشهد أعلى مستوياته على الإطلاق خلال العام الجاري.

وأضاف أن تباطؤ معدل التضخم، وبالتالي إبطاء البنك المركزي الأميركي وتيرة زيادات أسعار الفائدة سيدعم الذهب.

وأشار إلى أنه بشكل عام، فإن تباطؤ الاقتصاد العالمي وتحرير الطلب المكبوت في الصين بعد تخفيف القيود المتعلقة بمكافحة «كورونا» سيكونان عاملين مساعدين للذهب.

وأشار إلى أنه، وفقاً للتوقعات التي جمعها موقع «جولد سيلفر دوت كوم»، فإن الأغلبية العظمى من التوقعات الخاصة بالذهب تشير إلى زيادات قوية في 2023.

لكنه قال إن هذه التوقعات يجب التعامل معها بحذر، إذ إن تنبؤات مماثلة في الأعوام السابقة لم تتحقق في نهاية المطاف.

وأشار نوفيزيفسكي إلى أنه في هذا السياق، فإن المؤشر الرئيسي الذي يجب متابعته هو تحرك مجلس الاحتياطي الاتحادي في اجتماعه القادم في أول فبراير، إذ إن لهجة البيان الصادر عن الاجتماع والمؤتمر الصحفي، الذي يليه لرئيسه جيروم باول من العوامل التي ستحدد مسار الذهب القادم. ونظرا لأننا شهدنا في الأشهر الأخيرة ميلا صوب التشديد النقدي نسبيا، فإن أي تغيير محتمل في اللهجة سيكون دافعا قويا للمشترين.

ويرى محللون أن مستوى المقاومة القادم للذهب يتمثل في 2000 دولار للأوقية وبعد ذلك فإن المنطقة الرئيسية ستكون عند أعلى مستوى على الإطلاق وهو 2075 دولارا، والتي كانت مستوى مقاومة في أوائل مارس من العام الماضي.

الصين محرك للأسعار

وكان بنك الاستثمار الأميركي «غولدمان ساكس» توقع أن تتجه أسعار الذهب صوب 1950 دولارا للأوقية في العام الجاري. وقال البنك في مذكرة بحثية إنه يتوقع أن تؤدي إعادة فتح الاقتصاد الصيني وزيادة مشتريات البنك المركزي الصيني من الذهب إلى دعم الأسعار في العام الجاري، مقارنة مع العام الماضي. والصين أكبر مستهلك للذهب في العالم.

من جانبه، قال أولي هانسن رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك» إن أسعار الذهب ستلاقي بيئة داعمة هذا العام في ظل توقعات بركود اقتصادي عالمي والمخاطر التي تكتنف التقييمات في سوق الأسهم، وبلوغ البنوك المركزية مستوى الذروة فيما يتعلق بزيادة أسعار الفائدة في نهاية المطاف، تزامناً مع احتمال ضعف الدولار، وعدم عودة التضخم إلى المستوى المتوقع البالغ 3 في المئة في الولايات المتحدة بحلول نهاية العام. وأضاف هانسن أن ثمة عوامل إضافية تدعم الذهب أيضا منها عمليات الدولرة التي نفذتها العديد من البنوك المركزية في العام الماضي، عندما اشترت كمية قياسية من الذهب في سبتمبر، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر، مما سيقدم الدعم للسوق.

يقول المحللون إن جزءاً كبيراً من توقعات الأسواق للعام الحالي يتوقف على مسار السياسة النقدية، وينقسم الخبراء بشأن ما إذا كنا سنشهد خفضا لأسعار الفائدة في نهاية العام مثلا، خصوصا في ظل توقعات بأن يظل التضخم أعلى بكثير من النطاق المستهدف في معظم الاقتصادات الكبرى.

2100 دولار هدف محتمل

وقال «إريك ستراند» مدير «إي.إس.جي جولد ماينينج إف.تي.إي» إن 2023 سيشهد أعلى مستوى على الإطلاق للذهب وبدء «سوق صاعدة طويلة الأجل» جديدة، حيث قد يتجاوز السعر 2100 دولار للأوقية.

وأضاف «البنوك المركزية استمرت بشكل جماعي، منذ الأزمة المالية الكبرى، في إضافة المزيد من الذهب إلى احتياطياتها، مع تسجيل رقم قياسي جديد في الربع الثالث من 2022».

وقال «في رأينا، ستتراجع البنوك المركزية عن رفع أسعار الفائدة وتصبح أكثر ميلا صوب التيسير النقدي في 2023، الأمر الذي سيؤدي إلى تحرك فائق للذهب في السنوات القادمة. لذلك نعتقد أن الذهب سينهي 2023 مرتفعا 20 في المئة على الأقل.

ويردد ذلك الرأي «يورغ كينر» العضو المنتدب وكبير مسؤولي الاستثمار لدى «سويس آسيا كابيتال» والذي قال إن الأوضاع الحالية للسوق تشابه تلك التي شهدتها في عامي 2001 و2008.

وقال «في 2001، لم تتحرك سوق الذهب 20 أو 30 في المئة فحسب، بل تحركت أكثر، كما حدث في عام 2008 عندما شهدت السوق عمليات بيع أصغر وعودة التحفيز، وارتفع الذهب من 600 إلى 1800 دولار في وقت قليل، لذلك أعتقد أن لدينا فرصة جيدة، لأن نرى حركة كبيرة مماثلة في وقت قصير جدا».

وأضاف «لن يكون تحركا بنسبة 10 أو 20 في المئة فقط، أعتقد أنني أتطلع إلى تحرك سيحقق ارتفاعا جديدا حقا».