مع اقتراب نهاية عامها الرابع، تتجه الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مرحلة أكثر تعقيداً، في ظل تصعيد ميداني وسياسي متزامن، عنوانه توسيع موسكو «للمنطقة الآمنة» على الحدود، وتلويح كييف بخيارات أمنية جديدة تشمل نشر قوات أميركية، بالتوازي مع تداعيات خطيرة لمحاولة استهداف مقر إقامة الرئيس فلاديمير بوتين بطائرات مسيّرة.
وأعلن رئيس هيئة الأركان الروسية، فاليري غيراسيموف، أن بوتين أصدر أوامر مباشرة بتوسيع «المنطقة العازلة» في مقاطعتي خاركيف وسومي شمال شرق أوكرانيا خلال عام 2026، مؤكداً أن وتيرة العمليات تسارعت بشكل ملحوظ خلال ديسمبر، الذي وصفه بأنه شهد أكبر تقدم ميداني للقوات الروسية منذ بداية العام.
وخلال تفقده مجموعة قوات الشمال، قال غيراسيموف إن القوات الروسية حررت أكثر من 700 كيلومتر مربع خلال شهر واحد فقط، وسيطرت إجمالًا على نحو 950 كيلومتراً مربعاً في خاركيف وسومي، مع تحرير 32 مركزاً سكنياً، في وقت تواصل فيه وحدات الهندسة إزالة الألغام من 3 مناطق حدودية داخل مقاطعة كورسك الروسية.
بوتين وزيلينسكي
ويأتي هذا التقدم، بحسب موسكو، في إطار إنشاء شريط أمني يهدف إلى «إبعاد التهديدات الأوكرانية» عن العمق الروسي، بينما ترى كييف أن هذه الخطط «مجنونة» وستُواجه بمقاومة، وفق تعبير الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفي خطابه بمناسبة رأس السنة الجديدة قال بوتين إنه يؤمن بأن روسيا ستنتصر في أوكرانيا، ودعا الروس إلى «دعم أبطالهم» الذين يقاتلون فيها.
وفي تطور لافت، كشف زيلينسكي عن محادثات مباشرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إمكانية نشر قوات أميركية في أوكرانيا ضمن منظومة ضمانات أمنية أوسع.
وأوضح زيلينسكي أن المناقشات جرت في إطار المفاوضات بين كييف وواشنطن، مع ممثلي ما يُعرف بـ «تحالف الراغبين»، وقال إن «هذا يمكن تأكيده فقط من رئيس الولايات المتحدة، فهي قوات أميركية، بالتالي أميركا هي من تتخذ مثل هذه القرارات».
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن مشاورات «تحالف الراغبين» ستتواصل باجتماع لمستشاري الأمن القومي في كييف مطلع يناير، يعقبه لقاء قمة في فرنسا.
ويُنظر إلى هذه المحادثات على أنها محاولة أوكرانية لتعزيز موقفها التفاوضي، في وقت تحاول فيه احتواء تداعيات اتهامات روسية خطيرة بشأن محاولة اغتيال بوتين.
محاولة الاغتيال
ونشر الجيش الروسي مقطع فيديو لمسيرة قال إنها أُسقطت خلال الهجوم، مؤكداً أن الضربة نُفذت من عدة اتجاهات وعلى مراحل، بينما نفت كييف الاتهامات ووصفتها بأنها كذبة تهدف إلى عرقلة محادثات السلام مع الولايات المتحدة.
وفي خضم جهود ترامب لإنهاء الحرب، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن كييف حاولت بين 28 و29 ديسمبر تنفيذ «هجوم إرهابي مخطط بدقة» باستخدام 91 طائرة مسيّرة بعيدة المدى استهدفت مقر إقامة بوتين في منطقة نوفغورود. وأكدت إسقاط 49 مسيّرة فوق بريانسك، ومسيرة واحدة فوق سمولينسك، و41 فوق نوفغورود، باستخدام الدفاعات الجوية وأنظمة الحرب الإلكترونية.
وقال قائد قوات الصواريخ المضادة للطائرات في القوات الجو-فضائية الروسية، ألكسندر رومانينكوف، في بيان: «في حوالي الساعة 19:20 مساءً بتوقيت موسكو، يوم 28 ديسمبر 2025، كشفت وحدات من قوات الهندسة التابعة لقوات الفضاء الجوي عن وقوع هجوم جوي باستخدام مركبات جوية دون طيار تعمل على ارتفاعات منخفضة جداً من أراضي مقاطعتي سومي وتشيرنيغوف في أوكرانيا».
وأضاف: «حاولت كييف تنفيذ هذه الضربة من عدة اتجاهات في وقت واحد، تم إسقاط طائرات دون طيار فوق مقاطعات بريانسك وسمولينسك ونوفغورود».
ميدفيديف ولوكاشينكو
التصعيد لم يقتصر على الميدان، بل انتقل إلى الخطاب السياسي، إذ أطلق نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، تهديدات غير مسبوقة ضد زيلينسكي، متحدثاً عن «موت وشيك» للرئيس الأوكراني وعرض جثته لأغراض علمية في متحف سانت بطرسبورغ، في تصريحات أثارت موجة استنكار دولية، لكنها عكست مستوى الاحتقان داخل النخبة الروسية.
في السياق نفسه، وصف الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، الهجوم على مقر بوتين بأنه «إرهاب وحشي على أعلى مستوى حكومي»، محذراً من خطورته على الاستقرار الإقليمي.
دولياً، اتهم الاتحاد الأوروبي موسكو بالسعي إلى تقويض جهود السلام عبر «مزاعم لا أساس لها»، معتبراً أن التركيز على حادثة الاستهداف يشكل تشتيتاً متعمداً عن المسار التفاوضي. وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية، كايا كالاس، أن أوروبا ترى في التصعيد الروسي عرقلة للتقدم الذي تحقق بدعم أوكراني - غربي.
ورغم حدة التوتر، أكد وزير الخارجية، سيرغي لافروف، أن روسيا لا تنوي الانسحاب من التفاوض مع واشنطن، لكنها ستعيد النظر في موقفها.
وأكد لافروف وجود 3 شروط جوهرية ترى موسكو أنها ضرورية لتسوية النزاع، أولاً، الاعتراف بالحقائق الإقليمية الجديدة، ثانياً، وضع ضمانات أمنية ملزمة قانونياً، تهدف إلى معالجة «الأسباب الجذرية» للصراع، ثالثاً، ضمان حياد أوكرانيا، بحيث تكون دولة غير منضوية في أي تحالف عسكري، خالية من الأسلحة النووية، ومُجرّدة من السلاح الهجومي، ومُطهّرة من «النازية».