في تطور سلبي يهدد بتبديد جهود التوصل إلى نهاية الحرب المستمرة منذ أواخر فبراير 2022، اتهمت روسيا أمس أوكرانيا بمحاولة مهاجمة مقر إقامة الرئيس فلاديمير بوتين في منطقة نوفغورود.

ونقلت وكالة إنترفاكس الرسمية عن وزير الخارجية ⁠سيرغي لافروف أن مقر بوتين استهدف بنحو 91 طائرة مسيرة تم تدميرها جميعاً، وعلى أثر ذلك حددت موسكو هدف هجومها المضاد وتوقيته بعد هذه المحاولة، مشدداً على أنها ستغير، ‌نتيجة ⁠لتلك المحاولة، موقفها في ⁠المفاوضات الرامية ‌لإنهاء الحرب في أوكرانيا. 

وبينما نفى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتهامات روسيا ووصفها بأنها أكاذيب، عقد بوتين لليوم الثاني، اجتماعاً مع القادة العسكريين لبحث تطورات الوضع في أوكرانيا، مؤكداً تقدم قواته على الأرض وتراجع الوحدات الأوكرانية وتنفيذ مهام تحرير إقليم دونباس ومقاطعتي زابوروجيه وخيرسون على مراحل.

Ad

ورغم تسارع التحركات الدبلوماسية والاجتماعات التمهيدية بين واشنطن وأوروبا وكييف، بقي حسم ملفات دونباس وزابوريجيا ونشر القوات الأجنبية الاختبار الحقيقي قبل إعلان الاتفاق النهائي على خطة السلام بين روسيا وأوكرانيا، في لحظة قد تحدد ليس فقط نهاية الحرب، بل شكل التوازن الأمني في أوروبا لسنوات مقبلة.

وغداة محاثات مثمرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولاية فلوريدا، أعلن  زيلينسكي، أمس، توصله إلى توافق مع الولايات المتحدة وروسيا على نحو 90 بالمئة من خطة السلام المقترحة لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات، مشيراً إلى أن القضايا المتبقية تتركز في 3 عقد رئيسية هي: مستقبل المناطق المحتلة وعلى رأسها دونباس، وآلية إدارة وتشغيل محطة زابوريجيا النووية، إضافة إلى نشر قوات أجنبية داخل أوكرانيا ضمن منظومة الضمانات الأمنية.

وجاءت تصريحات زيلينسكي حيث وصف المحادثات بأنها «مثمرة» وأحرزت تقدماً غير مسبوق، مؤكداً أن الخطة المؤلفة من 20 بنداً باتت شبه جاهزة، لكنها لا تزال بحاجة إلى قرارات سياسية حساسة قبل الانتقال إلى مرحلة التوقيع.

وأوضح الرئيس الأوكراني أن الضمانات الأمنية تشكّل جوهر أي سلام دائم، كاشفاً أن واشنطن عرضت ضمانات تمتد لـ 15 عاماً قابلة للتمديد، تشمل آليات مراقبة لتنفيذ الاتفاق ووجوداً للشركاء الدوليين على الأرض. غير أنه أشار إلى أنه طالب بالتزام أطول يصل إلى 30 أو 40 أو حتى 50 عاماً، لردع أي محاولة روسية مستقبلية لتغيير الحدود بالقوة، مؤكداً أن ترامب وعد بدراسة هذا الطلب.

وفيما يتعلق بالعُقد المتبقية، قال زيلينسكي إن محطة زابوريجيا النووية لا تزال نقطة خلاف أساسية، سواء من حيث الجهة التي ستتولى إدارتها أو الضمانات المتعلقة بأمنها وتشغيلها، إضافة إلى مصير الأراضي التي تسيطر عليها روسيا. وأكد أن هذه الملفات تمثل آخر 10 بالمئة من الخطة، لكنها الأصعب والأكثر حساسية.

في المقابل، شدد «الكرملين» على أن انسحاب القوات الأوكرانية من الجزء المتبقي من إقليم دونباس شرط أساسي للتوصل إلى السلام، محذراً من أن فشل التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى خسارة كييف المزيد من الأراضي. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، توافق موسكو مع تقييم ترامب بأن المفاوضات دخلت مراحلها النهائية، مع الإشارة إلى اتصال هاتفي وشيك بين الرئيسين بوتين وترامب لتقييم نتائج المحادثات.

من جهته، أكد ترامب إحراز «تقدم كبير» في ملف إنهاء الحرب، مشيراً إلى أن نحو 95 بالمئة من القضايا التي نوقشت مع زيلينسكي جرى التوصل إلى حلول بشأنها. وكشف عن تشكيل مجموعة عمل أميركية تضم شخصيات سياسية وأمنية بارزة لمتابعة تفاصيل الخطة، مع احتمال عقد لقاء ثلاثي يضم ترامب وبوتين وزيلينسكي إذا تهيأت الظروف.

وفي السياق الأوروبي، لقي هذا التقدم ترحيباً واسعاً، حيث أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم أي اتفاق سلام، مشددة على أن الضمانات الأمنية القوية تمثل أولوية قصوى. كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اجتماع مرتقب لحلفاء كييف في باريس مطلع يناير المقبل لوضع اللمسات الأخيرة على المساهمات الأمنية لكل دولة.

داخلياً، ربط زيلينسكي تنفيذ خطة السلام بعدة استحقاقات داخلية، أبرزها طرح الاتفاق على استفتاء شعبي، مؤكداً أن ذلك يتطلب وقفاً لإطلاق النار لا يقل عن 60 يوماً. كما أوضح أن رفع الأحكام العرفية المعمول بها منذ بدء الحرب لن يتم إلا بعد انتهاء القتال والحصول على ضمانات أمنية موثوقة.

وفي لهجة حذرة، انتقد الرئيس الأوكراني ما وصفه بتناقض الخطاب الروسي، معتبراً أن الضربات الصاروخية المستمرة على البنية التحتية المدنية لا تتماشى مع التصريحات «السلمية» التي ينقلها بوتين إلى ترامب، مما يطرح تساؤلات حول جدية موسكو في الانتقال من التفاهمات السياسية إلى الالتزامات الميدانية.