ها قد انقضت معركة شجرة الكريسماس، وقد تبادل طرفاها عشرات الفتاوى والنظريات والأدلة حول الحلال والحرام، ومفاهيم الحُرية والتعايش، وغير ذلك من قيم دينية وليبرالية ونقاش ممتد حول شجرة الكريسماس، وآثارها السلبية والإيجابية. 

ومع التأكيد على قناعتي بحُرية العبادة، وضرورة صَوْن الدولة ومؤسساتها لها، فضلاً عن حُرية الفريقين، المؤيد، والمعارض، في إبداء الآراء الشرعية والفقهية والمدنية والدستورية، إلا أنه من اللافت أيضاً أن مسألة النزاع حول الكريسماس لم تكن أكثر من «غسيل مواقف»، سيئة، أو قاصرة، لبعض المنتمين لتيارات دينية أو مدنية تجاه قضايا دينية وقومية وإنسانية أكثر استحقاقاً، بل أكثر ارتباطاً بالمجتمع. 

فقد مرَّ خلال السنوات وحتى الأشهر الماضية ما هو مُستحق دينياً وليبرالياً من قضايا إسلامية وقومية وإنسانية أكثر من النزاع حول قضية التهنئة بالكريسماس، ومع ذلك لم تحظَ هذه القضايا بذات الفزعة التي أحاطت بالشجرة. 

Ad

لا أعمِّم ولا أبالغ إذا قُلت إن معظم متصدِّري معركة شجرة الكريسماس كانوا من الذين صمتوا أو لديهم مواقف سلبية جداً مُشجعة على الظُّلم والعدوان، وهي أبعد ما تكون عن أحكام الدِّين أو مفاهيم التسامح. وقد تجلَّت سلبية مواقفهم في العدوان الصهيوني على أهل غزة وفلسطين، بل العديد من البلدان العربية، أو تجاه قضية البدون، أو عند تنامي الخِطاب العنصري ضد المواطنين أو الوافدين، وجاؤوا اليوم لـ «يغسلوا مواقفهم» في معركة الكريسماس.

بل إن البعض لا يكاد يتوقف عن التحريض ضد صاحب أي رأي، أو أي مُكوِّن مختلف... وكأن مسائل الحلال والحرام والتعايش والتسامح تتوقف فقط عند مناسبةٍ أو حدثٍ سنوي، وليست ثقافة تنعكس على السلوك، وترتبط بقضايا أكثر إلحاحاً وأهمية. 

المؤسف أن هناك مَنْ لديه استعداد أن يُبادر بما يعتقده أنه من أحكام الشريعة أو مفاهيم التسامح مع أشخاص قد لا يكون بينه وبينهم تعامل واضح أو مباشر، في حين يُمارس ما هو مُحرَّم شرعاً ومنبوذ إنسانياً من عنصريةٍ وفوقية لا أصل لها مع جاره أو زميله في العمل. 

شجرة الكريسماس هي معركة بلا تكلفة، أي لا خسائر فيها، فهي لا تسبِّب غضب أحد، ولا حتى زعل أحد، ولا تتطلَّب تكلفة أو تضحية أو مواجهة أو مخاطرة قد تودي بك إلى خسارة عملٍ أو ثروة أو حتى السجن، بل إن كل فريق من طرفَي المواجهة سَيُحقق مكاسب لدى جمهوره في معركةٍ ناعمة وسهلة وموسمية وذات تكلفة شبه معدومة.