قال التقرير الأسبوعي الصادر عن شركة الشال للاستشارات إن الكويت هي البلد الأكثر إدماناً في اعتمادها على النفط، إذ تشكل إيرادات النفط نحو 90 في المئة من إيرادات الموازنة العامة، فعلى الرغم من الهبوط الكبير في أسعاره، فإن النفط يساهم بأكثر من 40 في المئة في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، الذي يولد القطاع العام نحو 70 في المئة منه، ما مكّنه من توفير فرص عمل مواطنة، أغلبها اصطناعي، لتبلغ نسبة العمالة المواطنة في القطاع العام نحو 83 في المئة.
وأضاف التقرير أنه بسبب هذا الإدمان المفرط على النفط، تواجه الكويت ثلاثة اختلالات هيكلية خطرة، «اقتصاد غير منتج وغير مستدام»، و«مالية عامة غير مستدامة»، و«ميزان عمالة مواطنة غير مستدام»، واستقرار الثلاثة مفتاح استقرار البلد.
في التفاصيل، يتعرض سوق النفط لضغوط هائلة لخفض أسعاره إلى حدود دنيا، وعليه فقد هبط سعر برميل النفط الكويتي من ذروة 117.4 دولاراً في شهر يونيو 2022، إلى معدل 61.3 دولاراً في ديسمبر الجاري، على الرغم من التضييق على نفط كل من روسيا وفنزويلا.
وتتعرض حصة الكويت القابلة للتصدير إلى عامل آخر خارج عن إرادتها، وهو ما تقرره لها منظومة «أوبك+»، إضافة إلى ازدياد متصل في حجم الاستهلاك المحلي، وإيراداته لا تغطي تكاليفه. وبينما خسر برميل النفط الكويتي نحو -30.5 في المئة من معدل سعره البالغ 101.2 دولار عام 2022، ارتفعت تكاليف إنتاجه من 9.8 دولارات في السنة المالية 2021/2022 وفقاً لأرقام الحساب الختامي، إلى 14.6 دولاراً، أو بنحو 48.4 في المئة وفقاً لأرقام الموازنة العامة الحالية.
ويعني هذا الارتفاع المخيف في تكلفة الإنتاج أن الكويت فقدت نحو 1.314 مليار دينار من صافي إيرادات النفط ما بين معدل مستواها عام 2022 ومعدل السنة المالية الحالية، وبلغ مجموع ما اقتطعته زيادة التكاليف من إيراداتها في خمس سنوات مالية نحو 3 مليارات دينار علماً أن تكلفة إنتاج البرميل عام 2000 كانت 1.2 دولار، أي تضاعفت نحو 12.2 ضعفاً.
ومن حق الدولة أن تغير في مستوى الرسوم وتفرض ضرائب مأخوذاً في الاعتبار خضوعها لدراسة متأنية لحصيلتها المالية مقابل آثارها الاقتصادية والاجتماعية حتى تضمن تفوق نفعها على آثارها السلبية، لكن تظل الأولوية للإصلاح المالي، وقتاً وحصيلة، هي للتعامل مع القطاع النفطي.
فالسيطرة على ارتفاع تكلفة الإنتاج قد يحقق إيراداً دون أي أضرار، والحصيلة قد تفوق ما يمكن تحصيله على المدى القصير من الرسوم والضرائب، مع استمرار استحقاقهما.
ذلك ينسحب أيضاً على خفض الاستهلاك المحلي للوقود، مما يعني تحقيق إيراد سريع ومباشر، ويعني تحرير حصة قابلة للتصدير عند الحاجة.
ونعتقد بأن البداية يفترض أن تكون مع دراسة مقارنة لتكلفة إنتاج البرميل مع السعودية والإمارات مثلاً، ثم دراسة نموذج العمل للشركة المسؤولة عن الإنتاج، فالانخفاض في صافي حصيلة إيراد البرميل الواحد بات جوهرياً، إذ بلغ صافي إيراد برميل النفط بعد خصم تكاليف الإنتاج على السعر البالغ 61.6 دولاراً يوم الأربعاء الفائت، نحو 47 دولاراً فقط، وبينما سعر البرميل خارج قدرة الإدارة العامة على تحديده، تبقى تكلفة الإنتاج تحت سيطرة الإدارة العامة بالكامل.
من جانب آخر، استعرض «الشال» الملخص الذي قدمته هيئة تشجيع الاستثمار المباشر للأداء ويغطي الفترة حتى نهاية مارس 2025، أو نهاية السنة المالية الفائتة، ويذكر الملخص أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة – وإن لم يذكر أجنبية – في السنة المالية الفائتة كان نحو 223 مليون دينار، أو نحو 736 مليون دولار.
وذكر التقرير أن الاستثمارات الموافق عليها تراكمياً منذ إنشاء الهيئة في يناير 2015، أي منذ نحو 10 سنوات، بلغ 1.97 مليار دينار، بمعدل سنوي بحدود 197 مليوناً، ساهمت في تلك الاستثمارات 105 كيانات استثمارية على مدى عقد من الزمن، أي بمعدل 18.8 مليوناً للكيان الواحد، ومن 34 دولة، أي بمعدل نحو 60 مليوناً للدولة الواحدة.
وكان تركيز تلك الاستثمارات المباشرة في ثلاثة قطاعات، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 33.87 في المئة، والنفط والغاز بنسبة 27.65 في المئة والإنشاءات والبنية التحتية بنحو 14.36 في المئة، أي ان القطاعات الثلاثة حصدت نحو 76 في المئة من حصيلة تلك الاستثمارات.
ما لا نعرفه حتى الآن، هو دور تلك الاستثمارات في خلق فرص عمل مواطنة مستدامة، ونصيب منتجات من بدأ الإنتاج منها من المساهمة في الصادرات السلعية والخدمية أو دورها في الإحلال مكان الواردات.
ويبقى كل ما تقدم لا يمثل صلب الاهتمام، والتركيز يفترض أن ينصب على عاملين اثنين، الأول، هو التواضع الشديد لحجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والثاني، هو الانتفاخ أو التضخم في حجم الاستثمار المحلي المباشر المهاجر إلى الخارج. لإيضاح تواضع الأول سوف نعرض لأرقام مقارنة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لدول الجوار في نفس الفترة، ولتبيان ضخامة الاستثمارات المحلية المباشرة المهاجرة سوف نقارنها بتلك الأجنبية الداخلة.
خلال السنوات العشر الفائتة حتى نهاية عام 2024، حصدت الإمارات استثمارات أجنبية مباشرة داخلة بحدود 196.4 مليار دولار، وحصدت السعودية 137.4 ملياراً، وعُمان 40.2 ملياراً، والبحرين 19.3 ملياراً، مقابل 6.5 مليارات دولار حصدتها الكويت.
وخلال الفترة ذاتها، أي نحو عشر سنوات، هجر الكويت ما قيمته 78.6 مليار دولار من الاستثمارات المحلية المباشرة، أو 12.1 ضعفَ تلك التي دخلت إليها.
ونعود ونكرر، أننا هنا لا نوجه لوماً لهيئة الاستثمار المباشر التي تبيّنت صعوبة إغراء المستثمر الأجنبي المباشر لولوج السوق الكويتي لأنها بيئة طاردة، ونزعت «الأجنبي» من عنوانها، الانتقاد والجهد المطلوب هو لإصلاح بيئة الاستثمار العامة وتحويلها إلى جاذبة، وتلك مهمة الدولة بكل مؤسساتها.
ونعتقد أن أولوية التركيز لابد أن تكون على خفض معدلات نزوح الاستثمار المحلي المباشر نتيجة لضخامته بالعمل على الارتقاء بجاذبية بيئته، وذلك لن يحدث مالم يكن جزءاً من سياسة عامة واعية للدولة، وإن تحقق ذلك، ومن دون جهد كبير، فسوف يلحق به الاستثمار الأجنبي المباشر، دون ذلك، ستظل معدلات النزوح عالية ومعدلات التدفقات الداخلة شديدة التواضع.