قبل أن أبدأ بتعريف معنى «انسف حمّامك القديم» لا بد أن أروي لكم القصة التي عرّفتني بهذه الحكمة.

يقول أبوإبراهيم: إذا ابتسم لك الحظ، رفعك من موظف إلى وزير، ومن مدرس فاشل إلى مدير! يقول: كنت معلماً لإحدى المواد الأساسية في نظام المقررات، وبعد مرور سنتين، انضم إلى القسم معلم جديد حديث التخرج لم يسبق له التدريس، وكان مستواه أضعف من الضعيف إلى درجة الفشل، وكان لا يعرف كيف يحضّر للدرس وكيف يشرحه، فرأفت بحاله، وأخذت بيده لأعلمه كيف يُعد ويحضّر الدروس، فكنت كالمُوجّه أدخل الفصل معه لأشرح لطلابه المنهج وهو يستمع معهم ليتعلم كيف يقف ويُدرسهم في الأيام المقبلة. وأنا كما تعلم لست ملزماً بتدريسه وتأهيله، ولكن بحكم الزمالة التي تربطني به في القسم، أبت عليّ الشهامة أن أتركه بهذه الحال الرديئة. وبعد سنتين تقريباً قرر أحد الوزراء إلغاء نظام المقررات! الذي كان مفخرة للتعليم في الكويت آنذاك! ربما لعدم القدرة على إدارته بالشكل الصحيح. وتحولت بعض المواد الأساسية إلى مواد اختيارية. وأُغلقت بعض الأقسام. ولعدم احتياج الوزارة لهذه الأقسام تم ترقية المعلمين بمن فيهم المبتدئون إلى وكيل مدرسة! منهم من يستحق ومحل ثقة ومنهم صاحبنا الفاشل الذي لا يعرف أساسيات التعليم! أصبح هذا الفاشل وكيلاً لمدرستنا، وبعد ستة أشهر من تعيينه، أتاني كتاب نقلي إلى مدرسة أخرى، فسألت ناظر المدرسة على انفراد: أنت تعلم أنني معلم ناجح، فلماذا قررتم نقلي؟ فقال: بصراحة، هذه توصيات الوكيل (زميلك السابق)! فقلت: معقول! قال: نعم، فهو يطبّق مبدأ «انسف حمّامك القديم» ليس لأنك سيئ أو لأنك مقصّر، ولكنك تذكره بفشله وماضيه القديم، ولأن وجودك ينسف كبرياءه!

«انسف حمّامك القديم»... هو تعبير يُستخدم كمجاز معاصر في الثقافة المصرية «غالباً» للدلالة على الهدم الجذري لشيء فاسد أو قديم بدلاً من إصلاحه الجزئي أو «الترقيع»، وهي عبارة خرجت من معناها العمراني إلى معنى رمزي، ومع الوقت تحولت إلى حكمة مجازية، وأصبحت تُقال في سياقات متعددة مثل: التّخلص من إدارة فاشلة أو علاقات مستنزِفة أو أنظمة إدارية متهالكة. أي أنها صارت تعبيراً عن الشجاعة في نسف الماضي إذا كان عائقاً.

Ad

وفي الإدارة الحديثة، صيغت الفكرة نفسها تحت مفهوم «الهدم الخلّاق»، حيث يُعد الهدم الجذري شرطاً للتجديد الحقيقي، لأن الإصلاح التدريجي قد يطيل عمر الفشل بدلاً من إنهائه.

كما يمكن استخدام هذه الحكمة في وصف الهروب من الماضي بكل ذكرياته المؤلمة، حيث يُشبه التخلص الكامل من الذكريات السلبية أو العلاقات الضارة، لبناء حياة جديدة خالية من أعباء الماضي.

عزيزي القارئ، إن لهذه المقولة دلالات متعددة، وأظن أن قصتنا لم تصف الحكمة بشكلها الإيجابي البنّاء، ولكني أحببت أن أرويها للقارئ كما عرفتها من أبي إبراهيم، ولكن الجميل فيها أنها قد تُفسّر لنا بوضوح المقولة الشهيرة: اتّقِ شرّ من أحسنت إليه.