سجّل الذهب مستوى قياسياً جديداً هو الـ 50 له منذ بداية عام 2025، مدفوعاً بتصاعد التوترات الجيوسياسية عالمياً وتزايد الرهانات على أن الاحتياطي الفدرالي الأميركي سيواصل خفض أسعار الفائدة خلال العام المقبل، في سيناريو يعزز الطلب على الأصول التي لا تدر عائداً مثل المعادن النفيسة.

وارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية بما يصل إلى 1.2 في المئة ليقترب من مستوى 4500 دولار للأونصة، مواصلاً مكاسبه بعد تسجيله أكبر قفزة يومية في أكثر من شهر. كما لحقت الفضة بالذهب وسجّلت بدورها مستوى تاريخياً جديداً، وفقا لتقرير نشرته وكالة «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية Business».

ويراهن المتعاملون في الأسواق على أن مجلس الاحتياطي الفدرالي، الذي نفّذ بالفعل ثلاثة تخفيضات متتالية في أسعار الفائدة، سيتجه إلى خفض جديد لتكلفة الاقتراض خلال 2026، وهو ما يشكل رياحاً مواتية للذهب وبقية المعادن الثمينة.

Ad

ولامس الذهب مستوى قياسيا مرتفعا اليوم، مقتربا من تجاوز المستوى الرئيسي البالغ 4500 دولار للأوقية، مع إقبال المستثمرين على ‌المعدن الأصفر باعتباره من أصول الملاذ الآمن وسط التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا.

وقال تيم ووترر كبير محللي السوق في كيه.سي.إم تريد: «التوتر بين الولايات ⁠المتحدة وفنزويلا يبقي أعين المستثمرين على الذهب للتحوط من عدم اليقين»، مضيفا أن الذهب ارتفع هذا الأسبوع ضمن تحول أوسع نطاقا مع توقع خفض أسعار الفائدة الأميركية ‌مجددا.

وأضاف ووترر أن المشترين لا يزالون يرون المعادن الثمينة وسيلة فعالة لتنويع المحافظ الاستثمارية والحفاظ على القيمة، مضيفا «لا أعتقد أننا وصلنا بعد ‌إلى أعلى مستوى للذهب أو الفضة».

وتلقى الذهب مزيدا من الدعم بفضل تقارير تفيد بأن ترامب قد يختار رئيسا جديدا لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بحلول أوائل يناير، مع توقع الأسواق خفضين لأسعار الفائدة خلال العام ‌المقبل.

وارتفع الذهب، الذي يعد ملاذا خلال الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية، بأكثر من 70 في المئة منذ بداية العام الجاري، مستفيدا من مزيج قوي من المخاطر الجيوسياسية ‌ورهانات ⁠خفض الفائدة وشراء البنوك المركزية كميات كبيرة منه والتخلي عن الدولار وتجدد تدفقات الصناديق المتداولة في البورصة. 

التوترات الجيوسياسية تعيد الذهب إلى الواجهة

خلال الأسبوع الماضي، تعزّزت جاذبية الذهب كملاذ آمن بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية، ولا سيما في فنزويلا.

وقامت الولايات المتحدة باعتراض ناقلات نفط في إطار تشديد الضغوط على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.

أفضل أداء سنوي منذ 1979

ارتفع الذهب بنحو 70 في المئة منذ بداية العام، وهو في طريقه لتحقيق أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979. ويستند هذا الصعود القوي إلى عمليات شراء مكثفة من البنوك المركزية، إضافة إلى تدفقات قوية نحو الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs).

وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، ارتفعت حيازات الصناديق المدعومة بالذهب في جميع أشهر 2025 باستثناء شهر مايو، في مؤشر واضح على استمرار الطلب الاستثماري.

كما ساهمت السياسات التجارية العدوانية التي انتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة تشكيل التجارة العالمية، إلى جانب تهديداته المتكررة لاستقلالية الاحتياطي الفدرالي، في تعزيز موجة الصعود خلال وقت سابق من العام.

ويتجه المستثمرون بعيداً عن السندات السيادية والعملات المرتبطة بها، وسط مخاوف من تآكل قيمتها الحقيقية بفعل تضخم الديون الحكومية.

صناديق الذهب تقود الموجة الأخيرة

كان الشراء المكثف من قبل الصناديق المتداولة عاملاً رئيسياً في الارتفاع الأخير للذهب.

وارتفعت حيازات صندوق SPDR Gold Trust التابع لشركة «ستيت ستريت»، وهو أكبر صندوق للمعادن النفيسة في العالم، بنحو 12 طناً في يوم واحد، أي ما يزيد قليلاً على 1 في المئة، وهو أكبر ارتفاع يومي منذ أكتوبر الماضي.

توقعات متفائلة لـ 2026 

ورغم تراجع الذهب في أكتوبر الماضي من قمته السابقة عند 4381 دولاراً للأونصة، حين اعتُبرت موجة الصعود مبالغاً فيها، فإن المعدن النفيس تعافى بسرعة، ويبدو الآن في موقع يسمح له بحمل هذه المكاسب إلى العام المقبل.

وتتوقع بنوك استثمارية كبرى، من بينها «غولدمان ساكس»، استمرار الصعود في 2026، مع سيناريو أساسي يشير إلى وصول الأسعار إلى 4900 دولار للأونصة، مع مخاطر صعودية إضافية.

وأكد محلل الأسواق المالية في شركة «Taurex» سمير الخوري، أن ذلك الزخم الإيجابي لأسعار الذهب سيستمر في المرحلة المقبلة، العوامل الأساسية التي كانت تدعم أسعار الذهب سابقاً لاتزال قائمة ومستمرة، وعلى رأسها التوترات الجيوسياسية.

وأكد الخوري في مقابلة مع «العربية Business» أنه في الوقت الذي نشهد مفاوضات جارية لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإننا نسمع عن ضربات روسية ــ أوكرانية متبادلة على منشآت الطاقة، والحرب قائمة. وهناك أيضاً هناك توترات بين فنزويلا وأميركا، وهناك ترقب حذر إذا ما كانت أميركا ستضرب داخل فنزويلا.

وتابع: يضاف إلى عوامل صعود الذهب خفض أسعار الفائدة الأميركية، إضافة ارتفاع في عوائد السندات الحكومية في دول العالم، خصوصا الدول المتقدمة مثل أميركا واليابان وبريطانيا وأوروبا، وتحديداً ألمانيا وفرنسا. وهذا يعني وجود ضغوط بيعية على هذه السندات واللجوء إلى الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب.

وحول ما إذا كان الدولار فقد مكانته كملاذ آمن، أكد الخوري أن العملة الأميركية لم تفقد صفتها كملاذ آمن، ولكن هناك عوامل تضغط عليه منها خفض أسعار الفائدة الأميركية، حيث تم إجراء ثلاثة تخفيضات هذا العام، وهناك توقعات بحدوث خفضين إضافيين العام المقبل. ومع تعيين حاكم جديد لمجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في مايو، قد نشهد ثلاثة تخفيضات أو أربعة العام المقبل، وهذا يضغط على مؤشر الدولار.

وأشار الخوري إلى عامل آخر يزيد الضغط على الدولار وهو الوضع المالي العام في أميركا، حيث تواجه البلاد ديوناً مرتفعة جداً واستمرار العجز المالي. كما أن هناك ترقباً بشأن ما سيحدث في المحكمة العليا، وهل ستبطل الرسوم الجمركية، فهذا سيؤثر على الدولار.

كذلك هناك عامل إضافي، وهو قوة اليورو والعملات الأخرى، خصوصا في ظل السياسات النقدية المتباينة مع السياسة النقدية الأميركية، وبالتالي هذا يضغط أيضاً على الدولار.

صعود الفضة يفوق 140%

الفضة بدورها سجّلت مكاسب أكثر لفتاً للانتباه، إذ ارتفعت بنحو 140 في المئة منذ بداية العام، متجاوزة أداء الذهب. وصعدت أسعار الفضة بما يصل إلى 1.4 في المئة لتقترب من مستوى 70 دولاراً للأونصة.

وجاء هذا الارتفاع مدعوماً بتدفقات مضاربية قوية، إضافة إلى اختناقات مستمرة في الإمدادات بعد موجة «ضغط بيعي» تاريخية في أكتوبر، أدت إلى تسارع الصعود.

ورغم تسجيل تدفقات كبيرة إلى خزائن لندن منذ ذلك الحين، فإن جزءاً كبيراً من الفضة المتاحة عالمياً لا يزال مخزناً في نيويورك، بانتظار نتائج تحقيق تجريه وزارة التجارة الأميركية بشأن ما إذا كانت واردات المعادن الحيوية تشكل تهديداً للأمن القومي، وهو ما قد يفتح الباب أمام فرض رسوم جمركية أو قيود تجارية.

في المقابل، سجّلت مخزونات الفضة في المستودعات المرتبطة ببورصة شنغهاي للعقود الآجلة أدنى مستوى لها منذ عام 2015 خلال الشهر الماضي.

من الناحية الفنية، أظهر مؤشر القوة النسبية للذهب قراءة بلغت 80.3 نقطة، ما يشير إلى دخول المعدن منطقة «تشبع شرائي»، في حين بلغت قراءة الفضة 79.1 نقطة، وهي مستويات مرتفعة استمرت نحو أسبوعين. وعادةً ما تشير القراءات فوق 70 نقطة إلى احتمالات تصحيح سعري.

صعدت أسعار العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم فبراير 2026 بنسبة 1 في المئة أو 42 دولارًا عند 4512.2 دولارا للأوقية، بعدما لامست أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 4530.8 دولارا للأوقية.

وزادت العقود الآجلة للفضة تسليم مارس 2026 بنسبة 1.3 في المئة عند 69.41 دولارا للأوقية، بعدما تجاوزت مستوى 70 دولارًا للمرة الأولى على الإطلاق.

وارتفع سعر التسليم الفوري للذهب بنسبة 0.7 في المئة إلى 4475.39 دولارا للأوقية، بعد أن سجل مستوى قياسيًا بلغ 4497.55 دولارا، وأضاف نظيره للفضة نحو 0.5 في المئة  عند 69.36 دولارا للأوقية.

بينما انخفض مؤشر الدولار -الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من 6 عملات رئيسية- بنسبة 0.2 في المئة إلى 98.07 نقطة، في الساعة 09:01 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة.

وزادت الأسعار الفورية للبلاتين 1.9 في المئة عند 2165.67 دولارا، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من 17 عاما، وارتفعت نظيرتها للبلاديوم 1.85 في المئة إلى أعلى مستوى في ثلاث سنوات عند 1792.16 دولارا.