أثارت حادثة اختطاف وقتل أحد الضباط السوريين المحسوبين على النظام السابق في سورية، في منطقة كسروان ذات الأغلبية المسيحية، شمال العاصمة اللبنانية بيروت، مخاوف سياسية وأمنية متزايدة من احتمال انزلاق لبنان أكثر نحو تداعيات التطورات المتسارعة في الساحة السورية، وفتحت ملف الضباط السوريين الذين لجأوا إليه بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024.

وعُثر على غسان النعسان، الذي برز اسمه كأحد القادة الميدانيين في «فوج الطرماح» بالجيش السوري خلال عهد بشار الأسد، جثة هامدة في بلدة أدما، أمام المنزل الذي كان يقيم فيه، وذلك بعد انقطاع الاتصال به ليل الأحد - الاثنين. 

ويُعدّ «فوج الطرماح» تشكيلاً قتالياً نخبوياً كان يعمل ضمن «قوات النمر»، التي تحولت لاحقاً إلى «الفرقة 25 مهام خاصة» بقيادة اللواء  سهيل الحسن، وشاركت في أصعب المعارك خلال الصراع السوري، وكان النعسان نفسه يلقب بالطرماح. 

Ad

وفي هذا السياق، لطالما شككت السلطات السورية الجديدة بوجود تواصل بين هؤلاء الضباط المقيمين في لبنان ونظرائهم الموجودين في موسكو، حيث يقيم الأسد، بما يشمل تلقيهم توجيهات سياسية وتكتيكية، إضافة إلى دعم مالي، تحضيرًا لأي تحرُّك محتمل في الساحل السوري. 

وبحسب المعلومات المتداولة، يبرز من بين هؤلاء الضباط العميد غياث دلّا، الذي تردد أنه أقام في لبنان لفترة قبل مغادرته، وكان أحد المتورطين بأحداث الساحل في شهر مارس الماضي.

وفي ظل تنامي المطالب داخل أوساط سورية بتوسيع اللامركزية المالية والإدارية، أو بالذهاب نحو صيغ «فدرالية» أو أقاليم ذاتية، يبقى القلق قائمًا في دمشق من تحوّل لبنان إلى ساحة خلفية لهذه التحركات، بما قد يسهم في إضعاف السلطة المركزية السورية.

وتتداول أوساط قريبة من السلطات السورية معلومات عن لقاءات وتحرّكات يُعتقد أنها جرت في لبنان، وجمعت بين قوات سورية الديموقراطية «قسد»، وضباط من النظام السابق يتحدّرون من الساحل السوري، إضافة إلى شخصيات درزية مؤيدة لفكرة إقامة منطقة حكم ذاتي في السويداء. وتشير هذه المعطيات أيضاً إلى أن بعض هذه المجموعات عقد لقاءات مع جهات دبلوماسية غربية، ولا سيما أوروبية.

وانطلاقاً من هذه المخاوف، سلّم مسؤولون أمنيون سوريون السلطات اللبنانية لوائح بأسماء ضباط محسوبين على الأسد يُعتقد أنهم يقيمون في لبنان، محذرين من احتمال استخدام الأراضي اللبنانية لتهديد استقرار سورية، أو للتحضير لتحركات متزامنة تشمل الساحل السوري، ومنطقة شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة «قسد»، ومنطقة السويداء، بهدف منع دمشق من بسط سيطرتها على هذه المناطق الواسعة، وصولاً إلى احتمال السعي لإسقاط حكومة الرئيس أحمد الشرع.

عملياً، تطالب دمشق في المرحلة الراهنة بضبط «وجود» هؤلاء الضباط في لبنان ومراقبة تحرُّكاتهم بشكل كامل. غير أن هذا المطلب قد يتطور لاحقاً إلى دعوة صريحة لتسليمهم إلى السلطات السورية، وهو أمر يُتوقع أن يواجه عراقيل كبيرة، لكونه يتطلب أولاً قراراً سياسياً لبنانياً غير مضمون التوافر، وثانياً مقاربة أمنية وعسكرية حازمة قد تزجّ لبنان في إشكالات أمنية داخلية.

وفي حال عجز لبنان عن تسليم هؤلاء الضباط، ولا سيما الأسماء البارزة التي أدّت أدواراً أساسية خلال السنوات الماضية في سورية، وقد يكون لها تأثير على تنظيم وتحريك مجموعات حالية، فإن دمشق قد تتجه إلى المطالبة بترحيلهم من الأراضي اللبنانية، وهو خيار لا يقلّ صعوبة بالنسبة للدولة اللبنانية، وقد يدفع بالعلاقات اللبنانية - السورية إلى منحى خطير يفاقم منسوب القلق والالتباس بين البلدين.