يسود هدوء حذر عدداً من أحياء مدينة حلب شمال سورية، ثاني أكبر مدن البلاد، بعد ساعات من اشتباكات وقعت بين قوات من الجيش السوري وقوات سورية الديموقراطية (قسد)، التي يقودها الأكراد، في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية، أوقعت 4 قتلى، وتزامنت مع زيارة وفد تركي رسمي رفيع لدمشق، وسط صراع صامت بين تركيا وإسرائيل يمتد من سورية إلى شرق «المتوسط».
وعلقت الدراسة مؤقتاً، أمس، في جميع المدارس والجامعات الحكومية والخاصة بحلب، وأغلقت المكاتب الحكومية في وسط المدينة، مع تسجيل نزوح لعائلات عربية من حيي الشيخ مقصود والأشرفية اللذين يقطنهما عشرات آلاف الأكراد، رغم اتفاق قوات الحكومة السورية وقوات «قسد» على خفض التصعيد، بعد أن تبادل الطرفان الاتهامات بشأن سبب الاشتباكات.
وذكرت وكالة سانا الرسمية، نقلاً عن وزارة الدفاع أمس الأول، أن عناصر «قسد» شنت هجوماً مباغتاً على قوات الأمن والجيش في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وأن عناصرها ردوا على مصادر النيران.
في المقابل، أنكرت «قسد» ذلك الاتهام، وقالت إن الهجوم نفذته فصائل تابعة للحكومة السورية، مستخدمة الدبابات والمدفعية في قصف الأحياء السكنية التي يتمركز فيها عشرات آلاف الأكراد.
وأشارت تقارير صحافية إلى تدخّل عدة جهات لوقف التصعيد، خصوصاً من جانب المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك، وقائد القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم)، الجنرال براد كوبر.
واندلعت أعمال العنف بعد ساعات من تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته لدمشق ونظيره السوري أسعد الشيباني، اتهما فيها «قسد» بالمماطلة في تنفيذ اتفاق «10 مارس»، الذي ينص على اندماجها في القوات المسلحة للدولة بحلول نهاية العام الحالي.
وتنظر تركيا إلى «قسد»، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مساحات شاسعة من شمال شرق سورية، على أنها منظمة إرهابية، وقد هددت أنقرة باللجوء إلى عمل عسكري إذا لم تحترم الجماعة الاتفاق مع دمشق.
وكان قائد الأمن الداخلي في محافظة حلب، العقيد محمد عبدالغني، وجّه تحذيراً «لكل من يحاول العبث بأمن حلب أو تهديد سلامة سكانها بأننا سنتعامل معه بكل حزم وفق القوانين والأنظمة الرادعة».
ومن شأن دمج «قسد» أن ينهي أعمق انقسام متبق في سورية، غير أن الأكراد يقولون إن السلطات الجديدة تماطل في قبول شروطهم للاندماج، وبينها إدراج مواد دستورية حول اللامركزية، والإبقاء على عناصرها في ألوية موحدة تتولى الأمن بالمناطق التي تسيطر عليها الإدارة الكردية حالياً. من ناحيتها، تخشى السلطات السورية الجديدة أن تؤدي أي خطوات باتجاه منح الأكراد امتيازات إلى مطالبات مماثلة في منطقة الساحل التي تسكنها الأقلية العلوية، ومنطقة السويداء التي تقطنها الأقلية الدرزية، والتي تشهد أصلاً تمرداً على سلطات دمشق.
وأصدرت «الخارجية» المصرية، أمس، بياناً أكدت فيه «الأهمية البالغة لخفض التصعيد»، مشددة على أن «الحل المستدام للأزمة السورية يظل رهناً بعملية سياسية شاملة، تقوم على الحوار، وتراعي مصالح جميع مكونات الشعب السوري، في إطار الدولة الوطنية ومؤسساتها».
توتر في السويداء
وفي حادث آخر، قتل عنصران من قوى الأمن الداخلي في قرية ريمة حازم بريف السويداء الغربي، واتهمت قناة الإخبارية التلفزيونية الحكومية «العصابات المتمردة في السويداء» بشن هجوم بقذائف الهاون وبطائرة مسيّرة مذخرة، محاولة «التقدم الى نقاط القوى الأمنية في خرق جديد لوقف إطلاق النار». في المقابل، أفادت مصادر درزية بمقتل مسلحين اثنين من قوات الهجري.
وأمس الأول أفادت مواقع سورية بأن «مجموعات درزية مسلحة مرتبطة بالهجري، شنت هجمات على نقاط للجيش السوري في قرى المجدل وريمة حازم وولغا والمزرعة وعتيل في الريف الغربي للمحافظة، مما دفع القوات الحكومية إلى الرد، لتندلع اشتباكات في المنطقة».
جاء ذلك بالتزامن مع نشر «واشنطن بوست» تقريراً مثيراً عن تعاون إسرائيل و«قسد» والأكراد. ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تل أبيب لا تزال تقدم دعماً عسكرياً لقوات رجل الدين الدرزي المعارض لدمشق، حكمت الهجري، الذي يدعو الى انفصال المناطق الدرزية عن سورية في حال لم يتم إقرار صيغة لامركزية موسعة.
وبحسب هؤلاء، فإن إسرائيل ترسل أسلحة صادرتها سابقاً من حزب الله و»حماس» إلى القوات الدرزية، وتدفع رواتب شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 من عناصرها، وهناك نحو 500 ألف دولار حوّلت إلى تلك القوات عبر «قسد».
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كردي أن «قسد» تقوم بتدريب مقاتلين دروز في شمال شرق سورية، كما أن قائداً في قوات الهجري أقر بالحصول على صواريخ مضادة للدبابات من «قسد».
وقال مسؤول غربي لـ «واشنطن بوست» إن الهجري أعد خرائط لمشروع دولة درزية تمتد جغرافيا حتى العراق. وبحسب مسؤول إسرائيلي، فإن تل أبيب لم تحسم بعد سياستها تجاه الدروز في سورية. ونفى أحد المسؤولين للصحيفة أن يكون من مصلحة إسرائيل إنشاء كيان منفصل للدروز، اطلق عليه اسم «دروزستان».