رفع الرسوم الصحية إلى 100 دينار على الشركات ليس قراراً إدارياً عابراً، بل سياسة جباية مباشرة تُفرض على سوق محلي منهك أصلاً، وتعاني فيه الشركات من ركود واضح، وضعف حقيقي في القوة الشرائية، وارتفاع متواصل في كلفة التشغيل. نحن لا نتحدث عن سوق في حالة نمو، بل عن اقتصاد يعاني اختناقاً فعلياً، وأي عبء إضافي عليه هو دفع متعمد نحو مزيد من الشلل.

والسوق الكويتي اليوم يفتقد الزخم، فالاستهلاك متراجع، السيولة محدودة، المستثمر متردد، والتاجر بالكاد يغطي التزاماته. في هذا الواقع، يأتي قرار رفع الرسوم الصحية وكأنه صادر من فراغ، أو من مكتب لا يرى الشارع ولا يسمع أنين السوق. الحديث عن «100 دينار» كرقم بسيط هو تضليل، لأن هذا الرقم يتراكم على كل عامل، وكل إقامة، وكل شركة، ليصبح في النهاية عبئاً ثقيلاً لا يمكن امتصاصه.

الشركات ليست خزينة مفتوحة للدولة، خصوصاً الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تُشكّل العمود الفقري لأي اقتصاد سليم. هذه الشركات اليوم محاصرة بالرسوم من كل اتجاه: صحية، بلدية، إقامات، تراخيص، وتجديدات لا تنتهي. ومع ذلك يُطلب منها التوظيف، والاستمرار، والمساهمة في الاقتصاد. هذا تناقض صارخ، ويعكس غياب رؤية اقتصادية متكاملة.

Ad

الأثر على الوافدين كبير وسلبي، شئنا أم أبينا، والوافد ليس عبئاً معزولاً عن الاقتصاد، بل عنصر إنتاج واستهلاك واستقرار. عندما تُرفع الرسوم عليه بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن ذلك يقلل إنفاقه أو يغادر السوق. النتيجة لا تقتصر عليه وحده، بل تضرب الإيجارات، والتجارة، والخدمات، وحتى فرص العمل للمواطنين. من يظن أن الضغط على الوافدين لا ينعكس على الاقتصاد المحلي فهو يتجاهل أبسط قواعد الاقتصاد.

الأخطر من القرار نفسه هو توقيته، فنحن في مرحلة تضخم مرتفع، وغلاء معيشة، وتراجع في القوة الشرائية، وحالة قلق عام. في مثل هذا التوقيت، أي رسم جديد لا يُفهم كتنظيم، بل كعقوبة اقتصادية. وهذا لا يبعث برسالة ثقة، بل برسالة نفور للمستثمرين وأصحاب الأعمال.

الرسوم ليست سياسة اقتصادية، وليست بديلاً عن الإصلاح، فالإصلاح الحقيقي يكون بتنشيط الاقتصاد، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتحفيز القطاع الخاص، لا بتحميل السوق المرهق أعباء إضافية كلما ضاقت الميزانية.

الخلاصة:

رفع الرسوم الصحية إلى 100 دينار قرار قاسٍ في توقيت خاطئ، يضغط سوقاً مكسوراً أصلاً، ويعمّق الركود بدل معالجته. الاستمرار في هذا النهج سيحوّل الكويت إلى بيئة طاردة للاستثمار، بدل أن تكون جاذبة. الاقتصاد لا يُدار بالجباية، بل بالفهم، والتوازن، وحسن التقدير.