أكد رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة سابقاً محمد الطبطبائي أن «الوصية الواجبة» لم تكن ضمن القوانين التي تم طلب تعديلها من اللجنة الاستشارية العليا، باعتبارها من المسائل الخلافية، فهي ليست ميراثاً بالاتفاق، إنما مبنية على ما ورد من أقوال لبعض الفقهاء، كما أن الوصية للأقارب غير الوارثين مستحبة، مشيراً إلى أن النهج الذي سارت عليه اللجنة خلال فترة عملها في 2016، أن الأحكام في المسائل التي فيها خلاف معتبر بين الفقهاء لا يتم طلب تغييرها أو استبدالها.

وقال الطبطبائي، في تصريح لـ «الجريدة»، إن تطبيق شرع الله من الواجبات التي فرضتها الشريعة، ومن خلال قيامنا برئاسة اللجنة في دولة الكويت منذ 2016، إلى حين انتهائنا من أعمالنا الموكلة لنا في اللجنة بحسب مهامها، فقد تم إعادة النظر ومراجعة جميع القوانين المعمول بها في دولة الكويت، للنظر في مدى توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وأضاف: لقد تم إنجاز مهمة تقديم التصور المتكامل لتعديل المواد الواردة في القوانين المعمول بها في دولة الكويت، بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية في دولة الكويت، وطلب التعديلات اللازمة لكل المواد في القوانين التي فيها ما خالف الشريعة الإسلامية، وذلك في جميع جوانب الحياة سواء المتعلقة بالجوانب الجنائية أو المدنية أو المالية، أو أحكام الأسرة وغيرها من القوانين المعمول بها، مع بيان مبررات التعديل، والبدائل الشرعية المناسبة، وتم تقديم تقرير بالتعديلات لجميع المواد المخالفة إلى الجهات المسؤولة.

Ad

اللجنة الاستشارية

وتابع: كان النهج الذي سارت عليه اللجنة الاستشارية منذ 2016، في تعديل القوانين المعمول بها في دولة الكويت، أن الأحكام في المسائل التي فيها خلاف معتبر بين الفقهاء، لا يتم طلب تغييرها أو استبدالها، وفقا لقاعدة أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، طالما أن لها حظا من النظر، وأن الإنكار فى المجتهدات ساقط.

وفيما يتعلق بمراجعة قانون الوصية الواجبة رقم 5 لسنة 1971، أفاد الطبطبائي بأن اللجنة لم تطلب تعديلها باعتبارها من المسائل الخلافية، فهي ليست ميراثا بالاتفاق، إنما مبنية على ما ورد من أقوال لبعض الفقهاء لاعتبارين هما:

أولاً: ما ورد من أقوال الفقهاء في باب الوصية، ممن لهم اجتهاد معتبر، بالإلزام بالوصية لذوي القربى من غير الوارثين ومنهم ابن حزم، حيث قال: فرض على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون إما لكفر، وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه، لا حد في ذلك، فإن لم يفعل أعطوا ولابد، ما رآه الورثة أو الوصي.

سكة أخرى

وأشار الطبطبائي إلى أن ما أورده عند المالكية من نازلة من أوصى لرجل بدنانير، فحالت السكة إلى سكة أخرى، فشاور فيها فقهاء قرطبة، فأفتوا بوجوب الوصية من السكة الجارية، يوم مات الموصي، لا يوم أوصى. 

ثانياً: ان ولاية الحاكم في الأموال هي ولاية عامة والولاية معناها لغة: السلطة والتمكن، وشرعاً نفوذ التصرف على الغير شاء أو أبى، وقيل: قدرة الشخص شرعاً على التصرف في ماله أو مال الغير، وورد تعريفها في الموسوعة الفقهية الكويتية أنها: سلطة على إلزام الغير وإنفاذ التصرف عليه بدون تفويض منه تتعلق بأمور الدين والدنيا والنفس والمال، وتهيمن على مرافق الحياة العامة وشؤونها، من أجل جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها وهي منصب ديني ودنيوي، والمقصود بالإمامة الكبرى هي الرئاسة العظمى في حراسة الدين وسياسة الدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سميت - كبرى - تمييزا لها عن الإمامة الصغرى، وهي إمامة الصلاة، فالولاية تكون عامة وخاصة: أما العامة فتكون في الدين والدنيا والنفس والمال، وهي ولاية الإمام الأعظم ونوابه.

النظر الشرعي

واستطرد الطبطبائي قائلاً: وضابطها كما قال ابن تيمية المقصود الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم، وقال ابن خلدون: حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، وإذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، فيحق للحاكم بولاية الحكم أن يفرض من الأموال ما كان مندوبا، كإيجاب الوصية للقريب غير الوارث، أو لبعضهم، بحسب ما يراه من تحقيق المصالح، وذلك أن الوصية للقريب غير الوارث من الأعمال المشروعة التي حثت عليها الشريعة الإسلامية في أصلها بالاتفاق، وقد أمرت الشريعة المكلفين للعمل بها ندبا، حيث قال تعالى: «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا».

 

ولاية الحاكم

وتابع الطبطبائي: لما كان الراجح ما اتجه إليه جماهير أهل العلم من أن للحاكم ولاية على المال، إذا رأى أن ذلك مما يحقق المصالح بين الناس، حيث قال الكاساني الحنفي إن ولاية الحاكم أعم من ولاية الأخ والعم، لأنه يملك التصرف في النفس والمال جميعا، وقال ابن نجيم «إن ولاية الحاكم أعم في مصالح المسلمين»، وقال الماوردي الشافعي «إن ولاية الإمام عامة في حقوق الأمة»، وقال: «ولاية الحاكم جامعة»، وقال ابن تيمية «إن الخلق عباد الله والولاة نواب الله على عباده وهم وكلاء العباد على نفوسهم بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر ففيهم معنى الولاية والوكالة».

الشريعة الإسلامية

وأضاف: بما أن الوصية للأقارب غير الوارثين مستحبة أو مأمور بها وجوباً على الخلاف، فإن للحاكم أن يتصرف بولايته العامة على الأموال بأن يفرض ما كان معروفاً شرعاً، فيجعل للأقارب أو لبعضهم شيئاً من الأموال إذا فوتها الوصي، وأن يلزم بما هو مندوب أو واجب في المسائل التي أمرت بها الشريعة الإسلامية وبينتها، ومنها الوصايا للأقارب غير الوارثين أو بعضهم، وأن يأمر بما هو متفق على مشروعيته، ويلزم به، ولو كان ندبا، وتجب طاعته بذلك، وأن للحاكم الولاية بذلك، والوصية للأقارب غير الوارثين.

بذل الطاعة

وقال: اتفق الفقهاء على وجوب بذل الطاعة لأولياء أمور المسلمين في كل ما يأمرون به وينهون عنه ما لم يكن فيه معصية لله تعالى، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.

لذا لم يكن قانون الوصية الواجبة رقم 5 لسنة 1971م من القوانين التي تم طلب تعديلها من اللجنة الاستشارية، في حين أن هناك مواد في قوانين أخرى معمول بها في دولة الكويت متفق على وجوب تعديلها بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، لكونها مخالفة بالاتفاق لأحكامها، وقد تم تقديم طلب التعديل عليها.