ثمّة وضع إنساني بالغ التعقيد يعيشه بعض - وربما كثير - ممن سُحبت جنسياتهم، ولا سيما أولئك الذين لم تكن لهم جنسية سابقة قبل حصولهم على الجنسية الكويتية. هؤلاء يواجهون سؤال الغد بقلق وجودي: كيف سيدبّرون شؤون حياتهم بعد تجريدهم من الجنسية؟ وكيف يمكن لهم تحديد وضعهم القانوني الجديد في واقع لا يقدّم إجابات جاهزة؟
تشترط وزارة الداخلية على المسحوبة جنسياتهم تقديم ما يثبت جديتهم في مراجعة الدول التي كانوا يحملون جنسيتها سابقاً لاستعادتها، وذلك حتى تتم معاملتهم - لفترة زمنية محددة - معاملة الكويتيين. هذا الشرط يفترض، ضمناً، وجود فئات «أوفر حظاً» من غيرها، لا سيما إذا كانت الدولة الأصلية دولة أوروبية تمتلك سجلات مدنية دقيقة ومنضبطة. ففي مثل هذه الحالات، قد لا تعترف بعض الدول الأوروبية أصلاً بتنازل الفرد عن جنسيته، أو قد تُنجز إجراءات الاستعادة بسهولة نسبية وفي مدد زمنية قصيرة.
لكن الصورة تختلف جذرياً في عدد من الدول العربية، حيث تتشابك الإجراءات وتثقلها البيروقراطية، وتغيب في أحيان كثيرة السجلات الدقيقة للمواطنين. ويزداد التعقيد عند فئات بعينها، مثل «زوجات الكويتيين» وفق المادة الثامنة، إذ لا يكون إثبات القيد أو استرجاع الجنسية أمراً يسيراً دائماً.
يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: ماذا عن أولئك الذين سُحبت جنسياتهم ولا يعرفون أصلاً «دولهم الأصلية» كي يباشروا الإجراءات المطلوبة؟ تاريخياً، كان موطنهم - وموطننا جميعاً - تلك الصحراء العربية الواسعة التي لم تعرف حدوداً طبيعية ترسم هوية كل «أمة» بسمات قانونية محددة. كانت الحدود السياسية تتبدّل تبعاً للولاءات للأسر أو القبائل، قبل أن تُرسم لاحقاً بفعل الحماية الأجنبية حين رأت القوى الأوروبية، ولا سيما بريطانيا وفرنسا، واقعاً معيناً في ثبات تلك الولاءات، فرسمت خطوطاً على الرمال تحوّلت لاحقاً إلى حدود سياسية استقرّت عبر الاعتراف الدولي.
في هذا السياق، كيف يُطلب من «البدون» الجدد إثبات أنهم قاموا بإجراءات لاسترجاع «جنسيات» سابقة لا وجود لها أصلاً؟ وكيف يمكن مطالبتهم بمستندات عن دول لم تكن يوماً إطاراً قانونياً واضحاً لانتمائهم؟
إنه واقع إنساني شديد القسوة، لا تُجدي معه الحلول الإجرائية التقليدية وحدها. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل ننتظر مقاربة إنسانية تستوعب هذا التعقيد التاريخي والقانوني، وتتعامل مع الحالة بما يليق بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية؟