عكست الأسواق العالمية مزيجاً من الاتجاهات التي جمعت بين تباطؤ معدلات التضخم وتباين قرارات البنوك المركزية.
ففي الولايات المتحدة، حسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، تباطأ معدل التضخم الكلي إلى 2.7 في المئة في نوفمبر، بينما تراجع التضخم الأساسي إلى 2.6 في المئة، مسجلاً أدنى مستوياته منذ مارس 2021، ما عزز إمكانية انحسار الضغوط التضخمية، رغم استمرار الاضطرابات التي تعرضت لها البيانات نتيجة إغلاق الحكومة.
وأظهر سوق العمل قدراً من المرونة، مع ارتفاع الوظائف غير الزراعية بنحو 64 ألف وظيفة في نوفمبر، فإن المراجعات السابقة واستمرار فقدان الوظائف الفدرالية أثرا سلباً على الآفاق المستقبلية، في حين تراجع زخم القطاع الصناعي مع انخفاض مؤشر مديري المشتريات الأولي إلى أدنى مستوى يسجله في 5 أشهر.
وفي كندا، استقر التضخم عند 2.2 في المئة بدعم من انخفاض أسعار الطاقة وتراجع تكاليف السكن، إلا أن بقاء التضخم الأساسي عند مستويات مرتفعة نسبياً دفع بنك كندا إلى تبني نهج حذر، أما في المملكة المتحدة، فقد تراجع التضخم إلى 3.2 في المئة، ومع ضعف وتيرة النمو، أقدم بنك إنكلترا على خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بأغلبية ضئيلة، مع التأكيد على أن أي خطوات تيسيريه إضافية ستظل رهناً بالبيانات الاقتصادية.
من جانبه، أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير، مشدداً على أهمية تبني نهج قائم على المرونة في ظل تصاعد حالة عدم اليقين. وفي اليابان، رفع بنك اليابان سعر الفائدة إلى 0.75 في المئة، إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1995، مواصلاً مساره التدريجي لإعادة السياسة النقدية إلى مستوياتها الطبيعية، مع الحفاظ في الوقت ذاته على أوضاع مالية تيسيرية.
وواصل التضخم في الولايات المتحدة مساره الهبوطي في أواخر 2025، إذ تباطأ معدل التضخم العام إلى 2.7 في المئة في نوفمبر، مسجلاً أدنى مستوياته المسجلة منذ يوليو، فيما انخفض التضخم الأساسي إلى 2.6 في المئة، ليصل إلى أدنى مستوياته منذ مارس 2021، وأقل من توقعات الأسواق. وجاءت ضغوط الأسعار مدفوعة بصفة رئيسية بعوامل الطاقة والغذاء والإسكان، إلى جانب زيادة تكاليف الرعاية الصحية والمفروشات المنزلية والأنشطة الترفيهية والسيارات المستعملة، في حين سجلت أسعار الملابس والسيارات الجديدة ارتفاعات محدودة. وفي المقابل، استمر اضطراب البيانات نتيجة الإغلاق الحكومي الذي استمر 43 يوماً، ما حال دون نشر بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أكتوبر وعدم توفر الأرقام الشهرية لشهر نوفمبر، على الرغم من تقديرات مكتب إحصاءات العمل الأميركي التي أشارت إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 0.2 في المئة خلال الفترة الممتدة من سبتمبر إلى نوفمبر.
كندا
استقر معدل التضخم الكلي في كندا عند 2.2 في المئة على أساس سنوي في نوفمبر، مسجلاً قراءة أقل بقليل من توقعات السوق البالغة 2.3 في المئة، ومواصلاً اتجاهه التدريجي نحو المستوى المستهدف لبنك كندا البالغ 2 في المئة. وجاء هذا الاستقرار مدعوماً بصفة رئيسية بتراجع تكاليف الطاقة، إذ انخفضت أسعار البنزين بنسبة 7.8 في المئة على أساس سنوي، وذلك على الرغم من ظهور ضغوط شهرية مرتبطة بتعطل بعض المصافي. كما شهد تضخم المسكن تباطؤاً ملحوظاً، مع تراجع نمو الإيجارات إلى 4.7 في المئة من 5.2 في المئة، ما وفر قدراً من الانفراج في تكاليف الإسكان.
في المقابل، تسارعت وتيرة تضخم الغذاء بشكل حاد، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.7 في المئة على أساس سنوي، مدفوعة بارتفاع أسعار المنتجات الطازجة وتكاليف إعداد الطعام. هذا ولا تزال ضغوط تضخم الخدمات غير متجانسة، مع تسجيل أسعار خدمات الاتصالات الخلوية قفزة بنسبة 12.7 في المئة نتيجة تقلص العروض الترويجية. والأبرز من ذلك أن التضخم الأساسي ظل مستقراً عند 2.6 في المئة، ما يعزز نهج الحذر الذي يتبناه بنك كندا على الرغم من تحسن مؤشرات التضخم الكلي.
المملكة المتحدة
خفض بنك إنكلترا أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.75 في المئة، في أدنى مستوى يصله منذ 2022 وأول خفض منذ أغسطس، في ظل تراجع الضغوط التضخمية وتزايد مؤشرات الضعف الاقتصادي، ما دفع صانعي السياسات إلى بدء تيسير السياسة النقدية.
وجاء القرار منقسماً بفارق ضئيل، إذ صوت 5 أعضاء لصالح الخفض مقابل 4 فضلوا الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، في نتيجة أقل ميلاً للتيسير مما كانت تتوقعه الأسواق، ما دفع المستثمرين إلى خفض توقعاتهم بشأن المزيد من التخفيضات. وأكدت لجنة السياسة النقدية أن أي تيسير إضافي سيعتمد على البيانات التضخمية الواردة، مشيرة إلى أن درجة تشديد السياسة النقدية بدأت بالفعل في التراجع. وجاء القرار عقب تباطؤ التضخم في المملكة المتحدة إلى 3.2 في المئة في نوفمبر، في أدنى مستوياتها المسجلة في 8 أشهر وأقل من توقعات البنك المركزي، إلى جانب تسجيل الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً شهرياً للشهر الثاني على التوالي وتراجع نمو أجور القطاع الخاص.
منطقة اليورو
أبقى البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة دون تغيير للاجتماع الرابع على التوالي في ديسمبر 2025، محافظاً على سعر إعادة التمويل الرئيسي عند 2.15 في المئة، وسعر تسهيلات الإيداع عند 2.0 في المئة، وذلك بما يتسق مع التوقعات. وأكد صانعو السياسات اتباع نهج يعتمد على البيانات واتخاذ القرارات وفقاً للمعطيات المتوفرة في كل اجتماع على حدة، حيث أشارت رئيسة البنك المركزي كريستين لاغارد إلى أنه لم يجر أي نقاش بشأن رفع أو خفض سعر الفائدة، مشددة على عدم وجود مسار مسبق للسياسة النقدية أو توجيه مستقبلي في ظل ارتفاع مستويات عدم اليقين. وأظهرت التوقعات المحدثة تحسن آفاق النمو هامشياً حتى عام 2027، فيما يتوقع أن يتقارب معدل التضخم تدريجياً نحو المستوى المستهدف المحدد بنحو 2 في المئة، مع رفع توقعات التضخم لعام 2026 بشكل محدود على خلفية استمرار قوة أسعار الخدمات.
آسيا والمحيط الهادئ
رفع بنك اليابان أسعار الفائدة الرئيسية قصيرة الأجل بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.75% في اجتماع ديسمبر، لتبلغ تكاليف الاقتراض أعلى مستوياتها منذ سبتمبر 1995، وذلك بما يتسق مع توقعات الأسواق، في إطار مواصلة البنك المركزي تحوله التدريجي بعيداً عن سياسة التيسير النقدي التي استمرت لعقود. ويمثل هذا القرار ثاني زيادة لأسعار الفائدة خلال العام الجاري، بعد خطوة مماثلة في يناير، ما يعكس تنامي ثقة صانعي السياسات بقدرة الاقتصاد على استيعاب مستويات فائدة أعلى في ظل تحسن ربحية الشركات واستقرار نمو الأجور.
وأكد صانعو السياسات توقعهم استمرار الشركات في تقديم زيادات ملموسة في الأجور حتى عام 2026، بما يدعم الطلب المحلي وديناميكيات التضخم. وفي الوقت ذاته، شدد المجلس على أن أسعار الفائدة الحقيقية لاتزال «سلبية بشكل ملحوظ»، وأن الأوضاع المالية العامة مازالت داعمة، في إشارة إلى أن السياسة النقدية لاتزال ميسرة على الرغم من تدابير إعادتها إلى مستوياتها الطبيعية.
وأوضح البنك أن أي زيادات إضافية قد تطرأ على أسعار الفائدة ستعتمد على مدى تحقق التوقعات الاقتصادية والتضخمية الواردة في تقريره الصادر في أكتوبر، متوقعاً أن يتراجع التضخم الأساسي مؤقتاً إلى ما دون مستوى 2 في المئة خلال النصف الأول من السنة المالية 2026، قبل أن يعاود الارتفاع تدريجياً بعد ذلك.