لم تكن المشكلة في الكويت يوماً مشكلة رأي أو مساحة تعبير، فالكويتيون اعتادوا الاختلاف، وتعايشوا مع التنوع، وبنوا ديموقراطيتهم على الجدل لا على القمع. لكن ما نواجهه اليوم هو انحراف خطير، يتمثل في فئة متصهينة تحاول الاحتماء بالديموقراطية لتبرير موقف ساقط أخلاقياً، ومرفوض وطنياً، ومدان إنسانياً.

المتصهين الكويتي لا يقدّم رأياً، بل يروّج سردية احتلال. لا يناقش فكرة، بل يلمّع جريمة. ثم يطالب المجتمع بأن يتعامل معه باعتباره «صوتاً مختلفاً» يجب احترامه. هذه ليست حرية رأي، بل محاولة فجّة لإعادة تعريف الخيانة بوصفها شجاعة، والانحياز للقاتل بوصفه عقلانية.

الديموقراطية لا تعني أن يتحول كل شيء إلى رأي قابل للنقاش. لا تعني أن تُساوى الإبادة بوجهة نظر، ولا أن يصبح قتل الأطفال مسألة نسبية. الديموقراطية وُجدت لحماية الإنسان، لا لتبرير سحقه، وُجدت لضمان العدالة، لا لشرعنة الظلم. ومن يستخدمها لتبييض الاحتلال، فهو يعتدي عليها قبل أن يعتدي على الوعي العام.

Ad

الأخطر في خطاب المتصهين الكويتي ليس فقط محتواه، بل نبرته المتعالية. يتحدث من برج أخلاقي مزيف، يسخر من مشاعر الناس، ويستهين بتاريخ الكويت ومواقفها الثابتة، ويتعامل مع القضية الفلسطينية كعبء عاطفي يجب التخلص منه. وكأن الوطنية أصبحت تهمة، والضمير عبئاً، والانحياز للحق تخلفاً.

وحين يُواجَه هذا الخطاب بالرفض الشعبي، لا يصمد. لا يدخل في نقاش نزيه، ولا يقدّم حجة حقيقية، بل ينتقل فوراً إلى التخويف، والتجريم، واستدعاء القانون. لأن هذا الخطاب ضعيف بطبيعته، ولا يعيش إلا في بيئة صمت أو خوف. هو يعلم أنه مرفوض، لذلك يحاول فرض نفسه بالقوة لا بالإقناع.

الكويت لم تكن يوماً أرضاً بلا موقف. تاريخها السياسي والإنساني شاهد على انحيازها الدائم للقضايا العادلة، وفي مقدمتها فلسطين. ومن يحاول اليوم اقتلاع هذا الموقف، أو تصويره كعبء، فهو لا يعبّر عن رأي شخصي، بل يعلن خصومة صريحة مع وجدان المجتمع.

لا أحد ملزم بتقبّل الخيانة باسم الاختلاف. ولا أحد مجبر على احترام من يبرر القتل باسم الحرية. الديموقراطية لا تُلزم الضحية بالصمت، ولا تفرض على المجتمع أن يصفّق لمن يطعن قضاياه في الظهر.

هذه ليست أزمة ديموقراطية، بل أزمة ضمير. أزمة فئة تريد أن تخون بلا كلفة، وتستفز بلا حساب، وتختبئ خلف شعارات لا تؤمن بها. والرد الحقيقي عليها ليس الصمت، بل الرفض الواضح، والمواجهة الأخلاقية، وفضح هذا الزيف الذي يحاول أن يتكاثر تحت اسم الحرية.