أفضل أن أقرأ د. محمد الرميحي في مقابلاته الثقافية الثرية بالفكر والتجربة عن قراءة المقال السياسي الذي يعكس بالطبع التطورات الآنية والمعلومات المتوافرة والصراعات الدائرة خلف الكواليس.

إحدى هذه المقابلات القيمة تلك التي أجراها الأستاذ شريف صالح لمجلة الفيصل السعودية ونشرت في عدد سبتمبر- أكتوبر 2019. لا أذكر بالطبع حال العالم العربي قبل 6 سنوات، فنحن مع الأسف كل عام في حال. لخص الأوضاع د. الرميحي في الدول العربية عامذاك قائلاً: «على المستوى العربي، معظم الساحات ملتهبة كما في الجزائر والسودان، وثمة مشكلات عميقة نتيجة ضعف أو غياب دور الدولة في لبنان أو ليبيا، كما تعاني مصر وضعاً اقتصادياً غير مريح».

سُئل د. الرميحي عن كتابته قبل سنوات عن «حتمية الحرب الإيرانية - الأميركية»... فهل زادت نُـذُر تلك الحرب؟ أجاب «إن الحرب الشاملة صعبة، ولكن غير مُستبعدة»! فقرار الحرب قد يؤثر سلباً في سمعة الرئيس ترامب، وحظوظه للولاية الثانية. ثم إن الأميركان يفضلون الضغط القاسي على النظام في إيران عن طريق الحصار، على أمل إحداث تغيير داخلي للنظام، لكن د. الرميحي أشار إلى شرط مهم لنجاح حركة المعارضة في إيران، وقال: «نجاح سيناريو التغيـير الداخلي يتطلب طبقة متوسطة واعية، وراغبة في التغيير، وشيئاً من الحريات. ولن يتأتى ذلك في ظل الضغوط الخارجية الشديدة على إيران». وأضاف «سبق لي أن توقعت العديد من الأحداث، فعلى سبيل المثال كتبت في مجلة العرب عن الاتحاد السوفياتي عام 1985 بعد زيارتي له، بوصفه إمبراطورية أرجلها من خشب على وشك السقوط. وبالفعل سقط بعد خمس سنوات!».

Ad

ولكن هل الوضع الإيراني مماثل في الداخل وفي أزمة إيران مع أميركا؟ وكان رد د. الرميحي أن الأزمة قد تتفجر بشكل آخر. وقال إن إيران «ستعمل على تحريك أذرعها المختلفة في اليمن والعراق ولبنان وأيضاً فلسطين وبلاد عربية أخرى وربما في الخليج ممن أسميهم جماعات الالتحاق الأيديولوجي الأعمى».

وأجرى د. الرميحي مقارنة بين توقعات الرئيس صدام حسين عام 2003 وحسابات إيران، وقال: «هنا لا بُد أن نتذكر أن حزب البعث العراقي راهن على الذي سماه (عمق قواعد الموازاة)، لكن عندما اندلعت الحرب عام 2003 لم تتفاعل هذه الأذرع والأدوات كما تصّور».

حرب الــ 12 يوماً بين إيران وأميركا وإسرائيل تأخرت عدة أعوام قبل أن تقع في يونيو 2025. وجرى ما جرى في إيران ولحزب الله والعراق... والآن كيف ينظر د. الرميحي - عام 2019 - إلى الترسانة العسكرية الإيرانية المتطورة، والجدل المستمر حول القنبلة الذرية قيد التجهيز، والصواريخ البعيدة المدى؟

كان جواب د. الرميحي: «أعتقد أنه خطاب للردع أكثر منه للمواجهة الفعلية. فلو كانت إيران تمتلك قنبلة نووية سوف تضرب بها إسرائيل، فإسرائيل أيضاً تملكها، وسترد بالمثل، وسيكون التدمير هائلاً، ويشمل بلداناً أخرى ومجتمعات حليفة لإيران». وقد تشمل هذه الدول البلدان الخليجية وجنوب روسيا وأفغانستان ودول الشام ومصر وقبرص ودولاً أخرى!

وقد نضيف إلى ذلك أن مثل هذه السياسة العسكرية المدمرة قد تدخل السرور في قلب بعض القيادات الإيرانية التي تحاول إعداد إيران لظهور «المهدي المنتظر»، مستغلة عقائد الشعب وربما المسلمين عامة لتأييد وجهة نظر «استراتيجية» فجّة. ولكن لماذا لا تتصالح إيران مع دول الجوار، وتنهي سياسة التهديد، وتصبح دولة مسالمة متقدمة رئيسية كالمملكة العربية السعودية، وتركيا، ومصر، وغيرها؟ 

 سُئل د. الرميحي، أين تكمن جذور هذا التوتر المستمر منذ أربعة عقود؟ فأجاب: الدول التي ترتكز على أيديولوجيا قومية مثل إيران، وإن غلّـفها بالمذهب الديني، تعدُّ نفسها عادة أعلى من القوميات المجاورة الأخرى وتسعى للتمدد حسب تصوراتها التاريخية. وهذا أقرب لما حدث في «ألمانيا الهتلرية»، وكذلك في «اليابان الإمبراطورية»، إبّان الحرب العالمية الثانية. هذا النوع من التمدد السياسي والعسكري من الطبيعي أن يثير قلق الجيران والقوى العالمية الأخرى، كما أكّـد د. الرميحي، خصوصاً أننا نعيش في منطقة بها مصادر مهمة للطاقة.

 ورأى الرميحي بعض ملامح تحسّن الوضع في عودة إيران إلى «عقلية البازار»، وفتح الأبواب والقنوات الخلفية للتفاوض. وهذا العلاج الذي اقترحه د. الرميحي كان يجدي لو كانت السلطة العليا بيد التجار.. والبازار... ولكن!