"إِنَّمَا هُوَ كَبَرْقِ الْخُلَّبِ"، مثل عربي قديم يُقال للذي يُبّشر بأمرٍ لن يقوم به، أو يُمَنّي الناس بشيء ثم يخلف وعده، وعندما يقال: بَرْقٌ خُلَّبٌ، أي برق مخادع لا غَيْثَ معه، ويقال أيضاً: "إِنَّمَا هُوَ كَبَرْقِ السحابِ الْخُلَّبِ"، أي برق خادع يلمع في السماء مع سحاب متراكم، فيستبشر الناس بمطر لن يهطل.

كان العرب قديماً يستبشرون بالسحاب المصحوب بالبرق، الذي عادة ما يأتي بالغيث، وتصيبهم خيبة الأمل والإحباط إذا كان "خُلّباً"، لأنهم أحوج ما يكونون إليه، ولكنه كالسراب يحسبونه ماءً.

و"إِنَّمَا هُوَ كَبَرْقِ الْخُلَّبِ" شطر لبيت شعر يُشبِّه فيه الشاعر صِنفاً من الناس كالبرق "الخُلَّب"، فهم أصحاب وعود كاذبة:

Ad

وَمِنَ الرِّجَالِ مَنْ إِذَا عَامَلْتَهُ

إِنَّمَا هُوَ كَبَرْقِ الْخُلَّبِ

وفي هذا السياق قال أحد الشعراء: 

رَأَيْتُكَ شِـمْتَ بَرْقًا بَعْدَ بَرْقٍ 

فَـكَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ الـمِحَـنُ

وهناك قصة تروى عن "الَبَرْقِ الْخُلَّبِ"، وأن أعرابياً كان يملك أرضاً قاحلة، فرأى في أحد الأيام غيمةً عظيمة، لمعان برقها ملأ الأرض ضياءً. استبشر الأعرابي وقال: "هذا غيثٌ مغيث"، ومن فوره اقترض مالاً وبذوراً، وباع ما في منزله من متاع ليشتري به أدوات يحرث بها أرضه، مبشّراً الناس بأن أرضه ستصبح جنة خضراء.

مرّ الوقت على الأعرابي، والبرق يزداد لمعاناً، ولكن ما إن توسطت الغيمة السماء حتى انقشعت واختفى معها برقها، دون أن تجود عليه حتى بقطرة ماء واحدة، فخسر صاحبنا ماله وأحلامه، لأنه صدّق "الَبَرْق الْخُلَّب"، ولأنه خُدع وانبهر بلمعان برقٍ كاذب.وهناك قصة تراثية تُسرَد عن "وعود عرقوب" الشبيهة بـ "الَبَرْقِ الْخُلَّبِ"، حتى قيل عنه إنه "أكذب العرب"، وشبه به كل من يَعِدُ ولا يفي، فسُمّيت وعوده بـ "وعود عرقوب".

كان عرقوب رجلاً من العماليق، فسأله أخوه شيئاً من نخلته، فقال له عرقوب: إذا أطلعت أعطيتك، فلما أطلعت، أتاه أخوه، فقال له عرقوب: دعها حتى تبلح، فلما أبلحت، أتاه، فقال له: دعها حتى تزهو، فلمّا زهت، قال: دعها حتى ترطب، فلما أرطبت، قال: دعها حتى تتمر، فلما أتمرت، قام عرقوب في ليلة ظلماء فجذّها، ولم يُعطِ أخاه شيئاً.

عاد الأخ في الصباح ووجد النخلة خاوية من كل شيء، فانتشر بين العرب خبر ما فعله عرقوب مع أخيه، وصاروا يطلقون على كل مَن يماطل ويعِد بما لا يفي أن وعده كـ "وعد عرقوب"، وحتى قال فيه الشاعر:

وَعَدتَ وَكانَ الخُلفُ مِنكَ سَجِيَّةً 

مَواعيدَ عرقوبٍ أَخاهُ بِيَثرِبِ

يقال إن البدوي تعلّم أن يميز سحاب المطر فلا يخدعه سحاب "الخُلب"، فلنتعلّم نحن بألا نصدق إلّا الأفعال، لا المظاهر الخدّاعة.