يُعد الذكاء الاصطناعي بحق أبرز إنجازات عصرنا الحديث. فلأول مرة في التاريخ يظهر كيان يمتلك القدرة على محاورة الإنسان، والتفاعل معه، واتخاذ القرارات، وتقديم الحلول والنصائح في نطاقٍ واسع من التطبيقات العملية التي تمس حياتنا اليومية، من الصحة إلى الصناعة والتجارة والأدب.
المدهش في هذا المجال هو التطور السريع والمذهل لتطبيقاته في مجالات كنا نظن أنها مستحيلة في القريب العاجل. فلا تزال التقارير تتوالى، لتؤكد مساهمات الذكاء الاصطناعي غير المسبوقة، مثل دوره في التشخيص الطبي الدقيق للأمراض بنسبة خطأ تقترب من الصفر، كما حدث في أحد المستشفيات بجمهورية الصين الشعبية. وبالمثل، تبرز مشاريع بناء مصانع عملاقة قادرة على العمل ذاتياً، وبالحد الأدنى من التدخل البشري.
هذا التوسع الهائل في الاستثمار وقدرات الذكاء الاصطناعي يطرح سؤالاً مصيرياً: أين مكان الأيدي العاملة في سوق العمل المقبل؟
إذا ما استمر هذا التحوُّل نحو الأتمتة والصناعات المعقدة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فقد تنعدم الحاجة تدريجياً إلى الكثير من المهن التي نعرفها اليوم. إن تحديات المستقبل تفرض علينا إعادة النظر بشكلٍ جذري في خريطة التعليم وسوق العمل ككل.
يبدو أن الحاجة للعنصر البشري في العديد من المجالات الحالية ستتقلص مع مرور الوقت، وربما خلال العقد القادم قد نشهد اختفاء أو تحوُّل الكثير من المهن التي اعتدنا رؤيتها من حولنا. وهذا يستلزم تأهيلاً وتدريباً مستمرين للتعامل مع الأدوات الجديدة، والتركيز على المهارات البشرية الفريدة التي يصعب على الآلة محاكاتها، استعداداً لعصر تكون فيه الشراكة بين الإنسان والآلة هي القاعدة.